بلغت نسبة التصويت للكنيست بين الفلسطينيين المتبقين في مناطق الـ 48، في الدورات الانتخابية الأولى للكنيست، مستويات مرتفعة فاقت المعدل العام، وتجاوزت نسبة التصويت بين اليهود أنفسهم، حيث وصلت عام 1951 إلى 82% من أصحاب حق الاقتراع العرب، وارتفعت عام 1955 إلى 90%، واستقرت عام 1959 عند نسبة 85%، رغم أن جرح النكبة كان لا زال داميًا، ورغم وقوع العرب تحت الحكم العسكري.
ارتبط التصويت حينها بمسألة “الولاء للدولة” الوليدة ولحزبها المؤسس والحاكم، حزب “مباي”، إذ جرى توظيف أدوات الضبط والسيطرة التابعة للحكم العسكري في جلب الناس للتصويت لـ “مباي” والقوائم العربية المرتبطة بهِ، ولم يتركوا أيّ خيار آخر.
هذا الوضع بدأ يتراجع تدريجيًا مطلع السبعينيات غداة انتهاء الحكم العسكري، حيث بدأت دالتها بالهبوط التدريجي، فانخفضت في انتخابات عام 1973 إلى 73%، لتواصل الانخفاض إلى 70% عام 1982، ثم 68% عام 1992.
وترافق هذا التراجع، الذي أعاد المجتمع الفلسطيني إلى توازنه الطبيعي، مع ازدياد الوعي الوطني وإدراك الفلسطينيين في الداخل لهامشية مكانتهم السياسية وتأثيرهم على السياسة الإسرائيلية، وبالتالي جرى استخدام حق التصويت أو الامتناع والمقاطعة للتعبير عن الاحتجاج تجاه الدولة وسياساتها، والتحامًا بقضية الشعب الفلسطيني.
وقد شكلت انتفاضة الأقصى عام 2000 وامتدادها في الداخل محطة مفصلية في قضية الامتناع عن التصويت أو المقاطعة لانتخابات الكنيست، إذ هبطت نسبة المشاركة إلى أدنى معدلاتها، وانخفضت نسبة التصويت لانتخابات رئاسة الحكومة التي جرت عام 2001 إلى 18% فقط، فيما انخفضت نسبة التصويت للكنيست التي جرت عام 2003 إلى 53%، فيما استمرت دالة الهبوط لتصل إلى أقل من 50% في الدورات اللاحقة وعلى مدى عقد ونصف من الزمن، وتحديدًا إلى حين تشكيل القائمة المشتركة عام 2015.
دشنت القائمة المشتركة مرحلة جديدة في قضية التصويت للكنيست، حيث شكلت الوحدة غير المسبوقة لجميع الأحزاب العربية في إطارها، والتي جاءت على خلفية رفع نسبة الحسم، رافعة دفعت بنسبة التصويت إلى مستويات جديدة، إذ بلغت مع تشكيل القائمة المشتركة في العام 2015 نسبة 65% وتُرجمت بالحصول على 13 مقعدًا. وارتفعت عام 2020 إلى 15 مقعدًا بعد أن كان قد انخفض تمثيل الأحزاب العربية إلى 10 مقاعد، وانخفضت نسبة التصويت إلى 49% بعد تفكيك القائمة المشتركة عام 2019، ثم عادت وانخفضت هذه النسبة إلى 45% وانخفض تمثيل الأحزاب العربية إلى 10 مقاعد فقط، بعد انشقاق القائمة الموحدة عن المشتركة في الانتخابات الأخيرة عام 2021.
عشية الانتخابات القريبة المقبلة، أشارت استطلاعات الرأي التي أجريت قبل تفكك القائمة المشتركة إلى نسبة تصويت متدنية تتراوح بين 37- 39% إلى 40-42%، وهي تهدد – إذا ما ظلت على حالها – بعدم تجاوز قوائم لنسبة الحسم أو بتقليص التمثيل العربي.
في الاستطلاعات الأخيرة، يجري الحديث عن نسب تصويت أقل من الانتخابات السابقة، تتراوح ما بين 40%-42%، وهي نسبة أقل أيضًا من انتخابات 2019 التي تفككت فيها المشتركة لأول مرة، ومن الواضح أن هذه النسبة غير مشجعة إذا ما أدركنا أن نسبة التصويت في المجتمع اليهودي تتراوح عادة، وفي الانتخابات القريبة أيضا، حول الـ 70%.
أما ترجمات هذه النسبة، فسيكون في أحسن الأحوال الحفاظ على التمثيل العربي المنخفض (10 مقاعد) الذي أفرزه انشقاق القائمة الموحدة عن المشتركة وتشكل قائمتيْن في انتخابات 2021، وأسفر عن خسارة التمثيل العربي لخمسة مقاعد.
ومن الواضح أن تفكك المشتركة نهائيًا وخوض مركباتها الانتخابات بقائمتيْن، ما يعني وجود ثلاث قوائم عربية، سيزيد الطين بلة إذا ما بقيت نسبة التصويت على ما هي عليه اليوم.
إن تأثير انقسام القائمة المشتركة وانشقاق الموحدة عنها ما زال قائمًا في هذه الانتخابات أيضًا، حيث خسرت القوائم العربية المقاعد التي جلبتها لها “الوحدة”، في العامين 2015 و2020، وهي تواصل خسارتها.
كما أن دخول القائمة الموحدة إلى الائتلاف الحكومي الإسرائيلي تجربة جديدة لها الكثير من الحيثيات، والأهم أنها كسرت مسلمات هي عبارة عن “تابو” في السياسة العربية التي قامت على بعديْن (الوطني والمدني)، ولا شك بأن تخلي قائمة عربية عن البعد الوطني والانتماء الفلسطيني يعني اختلال في توازن مجمل الساحة السياسية وإرباكها.
المصدر: أطلس للدراسات