google-site-verification=0y7SK1TSqpUjd-0k3R3QUeUDKj-1chg6Il-3Qtn7XUM
وكالة عيون القدس الإخبارية
وكالة عيون القدس الإخبارية

لماذا الحرب على “الجهاد الإسلامي”؟

بقلم/ د. وليد القططي
الحرب على “الجهاد الإسلامي” لأن الحركة ترفض فكرة التعايش مع الاحتلال ومشروعه المطروح “الاقتصاد في مقابل الأمن” من خلال المشاركة في النظام السياسي الفلسطيني المنبثق من اتفاقية أوسلو.
حرص قادة الكيان الصهيوني السياسيون والعسكريون على تأكيد أنَّ حربهم الأخيرة على قطاع غزة موّجهة ضد حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين فقط، وأنَّ هدفها هو تدمير قوة سرايا القدس الذراع العسكرية للحركة، وقد بدأتها باغتيال قائد المنطقة الشمالية في سرايا القدس الشهيد تيسير الجعبري، واغتالت في أثنائها قائد المنطقة الجنوبية في سرايا القدس الشهيد خالد منصور.
الكيان الصهيوني أطلق على عدوانه اسم (بزوغ الفجر) أملاً في فجرٍ لن يبزغ على دولتهم أبداً حتى زوالها، وحركة الجهاد الإسلامي أطلقت على عملية تصديها للعدوان اسم (وحدة الساحات) تثبيتاً لمبدأ وحدة القضية الفلسطينية على الرغم من تفرّق جغرافيا الاحتلال، المعركة انتهت بآلامها وإنجازاتها وتركت سؤالاً كبيراً يستحق المحاولة للإجابة عنه، وهو: لماذا الحرب الإسرائيلية على “الجهاد الإسلامي”؟
الحرب على “الجهاد الإسلامي” لكسر مبدأ (وحدة الساحات) الذي تؤمن به الحركة وتمارسه فعلياً نضالياً على الأرض، والذي أزعج الكيان الصهيوني نظراً إلى كونه يُعيد القضية الفلسطينية إلى أصلها، كقضية تحرر وطني، ويُعيد الحركة الوطنية إلى هدفها التحرري، ويُعيد المشروع الوطني إلى بدايته كمشروع تحرير وعودة واستقلال، ولأن “وحدة الساحات” يُنهي مؤامرة العدو بتحييد الساحات أو الفصل بينها، لجعل كل ساحة تواجه مصيرها وحدها بمعزل عن الساحات الأخرى، وجعل كل ساحة تهتم بقضيتها الخاصة: الاستيطان في الضفة، والتهويد في القدس، والحصار في غزة، والعنصرية في الداخل المُحتل عام 1948، والعودة في الشتات خارج فلسطين، لتعود فلسطين موّحدة أرضاً وشعباً وقضية ومقاومة، ولتعود القضية إلى مرحلة الكفاح الوطني لتحرير فلسطين، وعندما يبدأ التحرير ستُحل كل القضايا التي أساسها الاحتلال.
الحرب على “الجهاد الإسلامي” لإجهاض المقاومة في الضفة الغربية، الذي تُساهم فيها الحركة مع كل مقاومي الشعب الفلسطيني من خلال مشروعها الجهادي الهادف إلى تثوير الجماهير، وتجديد حال الاشتباك ضد الاحتلال، المشروع الذي بُنيَ على نتائج معركة (سيف القدس)، وعملية (نفق الحرية)، وبدأ باستشهاد البطل جميل العموري، وتأسيس (كتيبة جنين) وأخواتها في مدن الضفة الغربية، ولمنع تكرار سيناريو الانتفاضة الشعبية عام 1987 في قطاع غزة، عندما تحوّلت حال المقاومة التنظيمية المُسلّحة لحركة الجهاد الإسلامي إلى حالة مقاومة جماهيرية شاملة كأساس لمشروع المقاومة والتحرير في فلسطين، فجاءت الحرب على الحركة لضرب النموذج والقاعدة التي يستمد منها مقاومو الضفة القوة المعنوية في ثورتهم على الاحتلال.
الحرب على “الجهاد الإسلامي” لإضعاف (الكفاح المُسلّح) الذي تؤمن به الحركة وتمارسه كأسلوب استراتيجي في نضالها الوطني لتحرير فلسطين، بعيداً من محاولات الاستثمار السياسي للكفاح المُسلّح بسقفٍ أقل من مشروع التحرير، الذي تعده الحركة واجباً دينياً ووطنياً لا يجوز التخلّي عنه مهما كبرت التضحيات تحت ضغوط الواقع أو مطامع المستقبل، كما تعده الحركة المُبرر الأساسي لنشأتها واستمرار وجودها، فلقد نهضت الحركة لقتال العدو وما دون ذلك مجرد هوامش، كما قال مؤسسها الشهيد المفكر فتحي الشقاقي، والكفاح المُسلّح هو الطريق الأقرب لردع الاحتلال وتحرير الأرض والمقدسات، كما قال الأستاذ المجاهد زياد النخالة الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي.
فجاءت الحرب على “الجهاد الإسلامي” لضرب استراتيجية الكفاح المُسلّح الأكثر تكلفة على الاحتلال والأكثر تقويضاً لأساس المشروع الصهيوني في فلسطين.
الحرب على “الجهاد الإسلامي” لضرب استراتيجية (مشاغلة العدو) التي تتبعها الحركة، من خلال إبقاء جذوة الجهاد مشتعلة في فلسطين، واستمرار الاشتباك بالنار مع الاحتلال، ومواصلة المقاومة لاستنزاف العدو وزعزعة أمنه واستقراراه، لإجباره على الرحيل عن الأرض الفلسطينية وصولاً إلى تحرير فلسطين كاملة بجهاد كل الأمة وفي طليعتها المقاومة، واستراتيجية مشاغلة العدو ستعمق مأزق الكيان الصهيوني الأمني والوجودي، فعندما يتزعزع أمن الكيان الشخصي والقومي يؤثر سلباً في الهجرة والاستيطان وهما جوهر المشروع الصهيوني.. فجاءت الحرب لضرب هذه الاستراتيجية أملاً بتخفيف مأزق الكيان الصهيوني الأمني والوجودي.
الحرب على “الجهاد الإسلامي” لعدم انضمامها إلى النادي الفلسطيني المُستعد لتقاسم فلسطين مع الاحتلال، برفضها قرارات (الشرعية الدولية)، التي تَعُدّ فلسطين المحتلة عام النكبة “إسرائيل”، وفلسطين المحتلة عام النكسة فلسطين الجديدة، وفكرة القبول بتقاسم فلسطين هي أساس مشروع التسوية السلمية لمنظمة التحرير الفلسطينية مع العدو، وجعلته أساساً لأي توافق وطني فلسطيني، فكان ذلك التوافق الوطني المشؤوم هو مبرّر قبول فكرة تقاسم فلسطين بإقامة “دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس” على جزء من فلسطين التاريخية، فجاءت الحرب على “الجهاد الإسلامي” لترويضه حتى يدخل نادي تقاسم فلسطين، أو لعقابه على عدم دخوله النادي.
الحرب على “الجهاد الإسلامي” لأن الحركة ترفض فكرة التعايش مع الاحتلال ومشروعه المطروح، الاقتصاد في مقابل الأمن من خلال المشاركة في النظام السياسي الفلسطيني المنبثق من اتفاقية أوسلو وعموده الفقري سلطة تحت الاحتلال، وسقفه السياسي منظمة تُعطي الشراكة الأمنية والاقتصادية مع الاحتلال غطاء، ولأنها ترفض المشاركة في نظام سياسي ينهمك الفلسطينيون فيه بالتنافس الحزبي والصراع على السلطة، فيما يترسخ الاحتلال والاستيطان والتهويد والحصار في الأرض الفلسطينية، ولذلك ترى الحركة أن لا معنى لأي نظام سياسي فلسطيني يتعايش مع الاحتلال، ولا قيمة لأي مشروع سياسي في مرحلة التحرر الوطني لا يوجه بوصلته لإنهاء الاحتلال، وترى أنَّ الأصل هو مقاومة الاحتلال بدلاً من التعايش معه، فجاءت الحرب لضرب فكرة المقاومة لمصلحة فكرة التعايش.
الحرب على “الجهاد الإسلامي” لأن الحركة ترفض فكرة تأجيل الاشتباك مع الاحتلال إلى مراحل زمنية مقبلة، وترى الجهاد فريضة دينية واجبة التطبيق الفوري، والمقاومة واجباً وطنياً فوق الإمكان، والثورة عملاً مُقدّساً لا يؤجل، فلا تؤمن الحركة بتأجيل الجهاد والمقاومة والثورة تحت أي مبرر، وبدأت الحركة كفاحها الوطني بشعار (الجهاد الآن)، وواصلته على مدار أربعة عقود رافضة مبررات الانتظار والتأجيل تحت عناوين دينية ووطنية وواقعية، فقاتلت بالحجر والسكين، ثم القنبلة والبندقية، وصولاً إلى المدفع والصاروخ.. وهذه العقيدة القتالية جعلتها في مركز الاستهداف الإسرائيلي العسكري.
الحرب على “الجهاد الإسلامي” في المعركة الأخيرة “وحدة الساحات” دفعت الشهيد القائد خالد منصور إلى أنَّ يكتب في رسالته الأخيرة إلى إخوانه المجاهدين في سرايا القدس قبل ساعات من استشهاده: “بداية نحن نعلم أنَّ الألم كبير وأنَّ الضربة كانت قاسية باستشهاد أخينا العزيز أبو محمود رحمه الله… وهذا إن دل لا يدل على شيء إلا الاصطفاء من الله لنكون عنوان كرامة هذه الأمة وعنوان المواجهة الحقيقي مع هذا العدو، وهذه ليست المرة الأولى التي نبقى فيها وحدنا في مواجهة هذا العدو.. هذا الاصطفاء يوجب علينا أن نعمل جاهدين في إطالة أمد هذه المواجهة”.
هذه المواجهة التي خاضتها حركة الجهاد الإسلامي في معركة “وحدة الساحات” وحدها كطليعة للشعب والأمة استحضرت فيها قصيدة شاعر فلسطين محمود درويش (لماذا تركت الحصان وحيداً؟)، وهي تُدرك حتمية الوحدة شعباً ومقاومةً لتحرير فلسطين، والقصيدة عبارة عن حوار بين أبٍ وابنه بعدما هاجرا من بيتهما في حرب النكبة وتركا خلفها حصانها، فسأل الابن أباه ” لماذا تركت الحصان وحيداً؟” فأجابه الأب: ” لكي يؤنس البيت يا ولدي.. فالبيوت تموت إذا غاب سكانها”. وكذلك الأوطان تموت إذا غاب مقاوموها ودُجِّن ثوارها.

Leave A Reply

Your email address will not be published.