google-site-verification=0y7SK1TSqpUjd-0k3R3QUeUDKj-1chg6Il-3Qtn7XUM

الأحداث في شمال الضفة.. إحدى الأعراض لمشكلة استراتيجية

0

وجهة نظر أمنية استراتيجية – الباحث في معهد السياسات والاستراتيجيا في جامعة رايخمن اودي افينتال

شخص كبار المسؤولين في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بشكل متشابه الأسباب التي أدت الى توسع اعمال العنف واستخدام الأسلحة النارية ضد قوات الجيش الإسرائيلي- التي تدخل مدن الضفة الغربية (خاصة جنين ونابلس) – بهدف القيام بعميات احباط واعتقال. واجمعوا كلهم على ان التفسير الجذري والعميق لهذا الوضع هو الفراغ الذي خلفته السلطة الفلسطينية في مجال الحوكمة وتجنب أجهزتها الأمنية القيام بأنشطة فعالة في مجال الإحباط والاعتقال.

ما الذي يقوله لنا كبار المسؤولين في المؤسسة الأمنية؟

حذر رئيس الشاباك من ضعف السلطة في الشارع… وأننا دخلنا في دائرة مغلقة بسبب الزيادة في عدد العناصر العنيفة، غياب المعالجة الضرورية من قبل أجهزة الامن الفلسطينية بسبب تراجع سيطرتها، الامر الذي اضطر إسرائيل للقيام بعمليات احباط موضعي واعتقالات في كل ليلة. مما تسبب في ارتفاع عدد الضحايا الفلسطينيين وتراجع اخر في مكانة الأجهزة الأمنية.

فيما قال رئيس الأركان كوخافي ان ” قلة حيلة وضعف قبضة ” الأجهزة الفلسطينية في الضفة الغربية هو الذي خلق مناطق أصبحت مرتعا خصبا للعنف. اما رئيس شعبة الاستخبارات اهرون حليفا فشدد على انه من الأفضل “ألا نضطر لاعتقال عشرات النشطاء العنيفين في كل ليلة وان تقوم السلطة الفلسطينية بذلك…وان الحديث يدور هنا عن مصلحة عميقة لها يساهم في تثبيت واستقرار حكمها”.

وما هي التوصيات التي خرج بها كبار المسؤولين هؤلاء؟

رئيس الشاباك يقول ” ان أولى الخطوات لتهدئة الأوضاع على الأرض هي بتكثيف العمليات الفعالة لأجهزة الامن الفلسطينية “. رئيس الاستخبارات العسكرية أوضح من جانبه الى وجود حاجة ملحة الى القيام بإجراءات على المستوى القومي والأمني ” لتثبيت السلطة الفلسطينية واستقرارها، وان الحديث هنا هو عن مصلحة امنية إسرائيلية “.

فعليا يقول المستوى المهني لقادة الدولة ان وجود السلطة الفلسطينية واداءها السليم هو ذخر لإسرائيل. بعد 29 عاما على توقيع اتفاق أوسلو يتضح ثانية ان السلطة الفلسطينية عندما أنشأت وفق الاتفاق كان لها دور حيوي في إدارة حياة الفلسطينيين في الضفة الغربية وتأمين واقع أمني مستقر واحباط (الإرهاب).

هناك مزاعم تقول بان ارخاء قبضة الأجهزة في جنين ونابلس هي سياسات متعمدة ونتيجة لتوجيهات من قيادة السلطة. من وجهة نظري هذه المزاعم لا أساس لها. السلطة الفلسطينية تتمسك ببقائها على قيد الحياة. السيطرة على الأرض مصلحة حيوية لها، كما يقول رئيس شعبة الاستخبارات، ورفع راس (الإرهاب) واستعراض القوة لحماس في لواء جنين يهدد وجودها.

إذا لماذا لا تعمل الأجهزة الأمنية الفلسطينية بشكل فعال؟ لأنهم كما هو الحال في السلطة كلها، في حالة ضعف مستمر منذ سنوات. أضف الى ذلك الارتفاع في عدد القتلى الفلسطينيين بسبب الاحتكاك المتزايد بين المسلحين وقوات الجيش الامر الذي يعقد قدرة الأجهزة على العمل ضد البنى التحتية (الإرهابية) خوفا من اتهامهم بالتعاون مع إسرائيل.

هل نحن على اعتاب عملية تفكك وانهيار؟

اعتدنا خلال العقود الثلاث الماضية على وجود السلطة الفلسطينية الى جانبنا، لكن يجب علينا ان ندرك ان سيناريو تفككها كمؤسسة حكومية ليس نظريا. لماذا؟

1- الفكرة الأساسية التي قامت على أساسها السلطة ومن دونه لا شرعية لها في الوجود هي تحقيق التطلعات الوطنية الفلسطينية من خلال المفاوضات والتسوية السياسية. تضعف الفكرة يوما بعد يوم في مقابل خيار المقاومة المسلحة الذي تطرحه حماس واستطلاعات الراي العام تظهر ذلك بوضوح. ثقة الجمهور الفلسطيني بالسلطة وخياراته تراجعت بشكل حاد.

الامتناع الإسرائيلي عن أي اجتماع مع أبو مازن ورفض الحديث عن أي مفاوضات سياسية سلفا تدفع القيادة الفلسطينية -التي تبحث عن اجندة سياسية – لخوض مواجهات سياسية مع إسرائيل. تلقي هذه الاجندة بظلال سلبية على حافز الأجهزة للعمل، صحيح ان هذه الأجهزة تحاول احتواء المواجهات وتحافظ على التنسيق الأمني القيم مع قواتنا، ولكنها تفقد من شرعيتها، كما ينظر إليهم باعتبارهم متعاونين.

2- الازمة المالية والفساد – تعمل السلطة تحت ضغوط حادة في موازنتها وتعاني من حالة من عدم اليقين الاقتصادي المزمن. في ظل غياب الأفق السياسي، تراجع اهتمام المنظومة الدولية والإقليمية بالصراع الإسرائيلي – الفلسطيني وانخفضت بالتالي المساعدات الاقتصادية للسلطة -التي تعاني من الفساد المستشري- وأجهزتها الأمنية.

3- ” أيام الانتظار ” – نحن في نهاية عهد أبو مازن الذي قد يؤدي رحيله الى حرب خلافة مدمرة على السلطة وتسريع عمليات خلق حالة من التطرف في صفوف القيادة الفلسطينية. صراع الخلافة يجري بالفعل تحت السطح ومن المتوقع ان يتبنى المرشحون لخلافة أبو مازن مواقف معادية لإسرائيل من اجل كسب التعاطف الشعبي.

خلاصة القول ان عدم وجود افق سياسي، شرعية ضعيفة، أوضاع اقتصادية مضطربة وضغوط سياسية داخلية ويأس – يشكل خطرا حقيقيا على وجود السلطة باعتبارها نظام حكم فعال على محور الزمن، بشكل قد يقوض المصالح الاقتصادية والشخصية لكبار المسؤولين في بقاءها.

ما هي التداعيات المحتملة لذوبان واختفاء السلطة؟

سيخلق الغياب التدريجي للسلطة الفلسطينية تهديدا استراتيجيا متعدد الابعاد على إسرائيل. على المستوى العملاني ستنتقل المسؤولية عن جميع جوانب الحياة لملايين الفلسطينيين في الضفة الغربية الى إسرائيل، من دون ان يكون بيدها جهازا ومؤسسات بيروقراطية مناسبة، او مصادر للموازنات الكبيرة المطلوبة، التي تقدر بعشرات مليارات الشواقل في العام الواحد.

على الأرض من المتوقع ارتفاع مستوى الاحتكاك بين الجيش والسكان وكما هو واضح سنحتاج الى نشر قوات كبيرة وبشكل مستمر – الامر الذي سيجعل الجيش الإسرائيلي ينكفئ للقيام بمهمات شرطية او ذات طابع امني يومي على حساب الاستعداد لمواجهة التحديات في الدائرة الثانية والثالثة. على المستوى السياسي ستتصاعد الضغوط على إسرائيل كثيرا وستتأكل شرعية إسرائيل ويلحق ضرر واضح بمكانتها. كما قد تكون هناك تداعيات لا تقل خطورة من حيث الأفكار والرؤى. من المتوقع ان يؤدي انهيار السلطة الفلسطينية وتوسيع السيطرة الإسرائيلية الى حد ضم فعلي بحكم الامر الواقع الى اختفاء فكرة حل الدولتين وتعزيز فكرة الدولة الواحدة، التي بدأت تكتسب زخما متزايدا في الساحة الفلسطينية.

ترغب أكثرية الجمهور الفلسطيني في تجنب المساس بمستوى حياتها بشكل صعب، وربما تفضل المطالبة بحقوق مدنية – الى ان تنضج الظروف الديمغرافية التي ستنهي تماما الأغلبية اليهودية بين نهر الأردن والبحر المتوسط. على خلفية كل هذا ليس مستغربا ان يطالب قادة المؤسسة الأمنية بالعمل على تثبيت وجود وتقوية السلطة وأجهزتها قبل فوات الأوان.

إذًا ما العمل؟

* على المدى القريب * – يجب ان تستمر قوات الامن بأنشطتها في احباط العنف، حتى تمنع وقوع هجمات تحديدا عشية الأعياد والانتخابات في إسرائيل. في المقابل كما ذكر عاموس هرئيل ويانيف فيركوفيتش فان جهاز الامن يدرس سبل تقوية الأجهزة وترك مجال اكبر للعمل لها في شمال الضفة. هذا التوجه سليم لأنه تمت تجربته بنجاح في وقت سابق، لكن فقط بعد ان نجح الشاباك والجيش في القضاء خلال عدة سنوات على موجة (إرهاب الانتحاريين) خلال الانتفاضة الثانية. من خلال العمليات المتواصلة داخل مناطق أ بهدف تفكيك البنى التحتية (الإرهابية) واحباط الهجمات في الجبهة الداخلية مثل تلك التي شهدناها في اذار من هذا العام. في 2008 بعد ان تم تطهير المنطقة وانحسر (الإرهاب) قاد مبعوث الرئيس بوش الجنرال جونس جهودا امنية ومدنية واقتصادية لتقوية سيطرة وحوكمة السلطة الفلسطينية في جنين ( مشروع جنين ). النتائج كانت رائعة. تحت قيادة رئيس الوزراء سلام فياض عاد النظام والقانون الى جنين ومخيمها، اختفت الفوضى وكبح جماح الإرهاب.

* على المدى الطويل * – الى جانب الحفاظ على وجود الجيش الإسرائيلي على الأرض بهدف احباط (الإرهاب) ومنع سيطرة حماس على الضفة الغربية – شرط أساسي لأي خطوة إيجابية – على إسرائيل تقوية السلطة الفلسطينية بكل الطرق، تشجيع اقتصادها، تقوية بناها التحتية ومؤسساتها وتطهيرها من الفساد، واحياء العملية السياسية.

حتى لو كانت فرص نجاح العملية السياسية في الوقت الراهن معدومة، الا انها تحافظ على فكرة الدولتين على جدول الاعمال، يعرقل التوجه نحو فكرة الدولة الواحدة، كما انه يعتبر عاملا حاسما لاستمرار وجود السلطة الفلسطينية. بالإضافة الى ذلك على حكومة إسرائيل إعادة بناء قنوات اتصال فعالة مع قيادة السلطة بدلا من شيطنة قادتها.

هل “مشروع جنين 2.0” ممكن اليوم؟ سيكون الامر صعبا للغاية. لأنه لا توجد في إسرائيل حكومة مستقرة، ليس هناك عملية سياسية مثل ما كان في حينه ( انابوليس )، أبو مازن في اخر أيامه، ورئيس الحكومة الحالي اشتية ضعيف ورمادي. في ظل هذه الظروف لن يأتي الخلاص من القادة انفسهم وعلينا الاعتماد على قواتنا الأمنية للقيام بالعمل المناسب.

ملاحظة: الآراء والألفاظ الواردة في المقال تعبّر عن صاحبها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز أطلس للدراسات والبحوث.

Leave A Reply

Your email address will not be published.