أنهت حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة عامها الثاني، وسط محاولات مكثفة يبذلها الوسطاء في قطر ومصر لتنفيذ خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لوقف حرب غزة بعد أن أعلنت حركة حماس ترحيبها بهذه الجهود.
ورغم هذه المحاولات، فإنّ المشهد الإنساني في القطاع يبدو الأسوأ في تاريخ الحروب المعاصرة، في ظلّ التدمير غير المسبوق الذي قام به الاحتلال الإسرائيليّ، وعمليات التصفية والقتل إلى جانب التدمير الممنهج.
وعمد الاحتلال خلال حرب غزة إلى تدمير البنية التحتية، ونسف المدارس والعيادات الحكومية وتلك التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا”، فضلاً عن عمليات النزوح القسري التي فرضها على السكان لمرات عدّة.
وإلى جانب ذلك، ارتكب الاحتلال الإسرائيلي عشرات المجازر بحقّ المدنيين تحت ذرائع وادّعاءات أمنية ثبت في غالبيّتها عدم صحتها، إلى جانب سياسة التجويع التي انتهجها تحديداً في العام الثاني للحرب في سياسة عقاب جماعي فرضها على السكان.
علاوة على ذلك، فقد دمّر الاحتلال القطاع الإسكاني بوتيرة غير معهودة، حتى باتت غالبية المنازل غير صالحة للسكن، إلى جانب تدمير الأبراج التي اتّبعها مع إطلاقه عملية احتلال مدينة غزة مؤخراً، إلى جانب استهداف قطاعات أخرى مثل الاتصالات والإنترنت.
ويبدو القطاع حالياً بقعةً جغرافية غير صالحة للعيش، إذ يحتاج إلى عملية إعمار شاملة، يتمكّن خلالها السكان من العودة لممارسة حياتهم كما في السابق أو بالحد الأدنى منه، لا سيّما مع تدمير غالبية البنى التحتية من طرق وشبكات.
وقال مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي في غزة إسماعيل الثوابتة إنّ عدد الشهداء الذين وصلوا إلى المستشفيات بلغ 66148، فيما بلغ عدد الجرحى 168716، إلى جانب 9500 مفقود، بينهم شهداء ما زالوا تحت الأنقاض أو مفقودين لم يُعرف مصيرهم بعد.
وأشار الثوابتة، في تصريح صحفي، إلى أن قوات الاحتلال اعتقلت 6691 مدنياً منذ بدء حرب غزة مبيناً أن جميع الأرقام والإحصائيات تعتبر أولية وتحتاج لفترة زمنية للوصول إلى كامل حجم الخسائر. وبحسب مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي فإنّ التقديرات الأولية تشير إلى أن الخسائر المباشرة التي تكبدتها القطاعات الحيوية في قطاع غزة جراء حرب الإبادة الجماعية التي يشنّها جيش الاحتلال الإسرائيلي تجاوزت 70 مليار دولار، موضحاً أن حرب غزة خلّفت دماراً واسعاً وغير مسبوقاً في 15 قطاعاً أساسياً من بنية الحياة المدنية في القطاع.
وتشمل القطاعات المتضرّرة، الصحة، والتعليم، والإسكان، والديني، والصناعي، والتجاري، والحكومي، والزراعي، والإعلامي، والترفيهي والفندقي، والمنزلي، والاتصالات والإنترنت، والنقل والمواصلات، والكهرباء، والخدمات والبلديات، وفق الثوابتة الذي أشار إلى أنّ القطاع الإسكاني تصدّر قائمة الأضرار، إذ قُدّرت خسائره بنحو 28 مليار دولار، بعد تدمير الاحتلال لأكثر من 210 آلاف وحدة سكنية كلياً، و110 آلاف وحدة غير صالحة للسكن، و180 ألف وحدة مدمّرة جزئياً.
وفي ما يتعلق بالقطاع الصحي، قدّرت خسائره الأولية بنحو 5 مليارات دولار نتيجة استهداف المستشفيات والمراكز الطبية والطواقم الصحية، في حين أن القطاع التعليمي تكبّد ما يقارب 3.5 مليارات دولار إثر تدمير الجامعات والمدارس ومقتل المئات من المعلمين وأساتذة الجامعات والطلبة، وفقاً للتقديرات الحكومية.
كما بلغت الخسائر الأولية في القطاع الصناعي نحو 4 مليارات دولار، بينما خسر القطاع التجاري ما يزيد عن 4.3 مليارات دولار نتيجة تدمير الأسواق والمنشآت التجارية، أما القطاع الزراعي فبلغت خسائره نحو 2.8 مليار دولار جراء استهداف الأراضي والمزارع والثروة السمكية.
وبيّن الثوابتة أن القطاع الديني تعرّض لتدمير شامل، إذ هُدم 611 مسجداً كلياً، و214 مسجداً جزئياً، إضافة إلى 3 كنائس، مقدّراً خسائره بنحو 900 مليون دولار، كما قدّر خسائر قطاع الكهرباء بـ 1.4 مليار دولار، والقطاع الخدماتي والبلديات بـ6 مليارات دولار بعد تدمير مقرات البلديات والبنى التحتية لشبكات المياه والصرف الصحي.
وأشار إلى أن قطاع الاتصالات والإنترنت تكبّد نحو 3 مليارات دولار، فيما بلغت خسائر قطاع النقل والمواصلات نحو 2.8 مليار دولار، أما القطاع الإعلامي فخسر ما يقارب 800 مليون دولار نتيجة تدمير مقرّات المؤسسات الإعلامية ومعدّاتها.
من جانبه، قال المدير التنفيذي لشبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية في غزة، أمجد الشوا، إن ما يتعرض له قطاع غزة منذ بدء حرب الإبادة الجماعية “يتجاوز حدود الكارثة الإنسانية”، مؤكداً أن الدمار طاول نحو 98% من البنية التحتية والمنشآت والمنازل والمرافق العامة، سواء كلياً أو جزئياً على نحوٍ غير قابل للترميم.
وأضاف الشوا، في تصريح صحفي، أن “غزة اليوم لا تحتاج إلى إعادة إعمار جزئية كما حدث في الحروب السابقة، بل إلى عملية إعمار شاملة وكاملة تشمل جميع القطاعات الحيوية، من البنية التحتية والمساكن، إلى الخدمات الأساسية من مياه وكهرباء وصحة وتعليم واتصالات”.
وأوضح أن حجم الدمار “غير مسبوق في التاريخ الحديث”، إذ إنّ مناطق بأكملها مُسحت عن الوجود، مثل شرق خانيونس، وشمال القطاع، وأجزاء واسعة من شرق مدينة غزة، لافتاً إلى أن “معظم المنازل والمباني والمنشآت التجارية والخدمية إما دُمّرت بالكامل أو تضررت بشدة، ولم يسلم منها إلا القليل”.
وحول الوضع الإنساني، كشف الشوا أن التقديرات تشير إلى أن قطاع غزة فقد ما يقارب 10% من سكانه بين شهداء ومفقودين وجرحى، فضلاً عن الخسارة في نسبة النمو السكاني الطبيعي بسبب الحرب المستمرة منذ عامين. وأكد الشوا أن الفئات الأكثر تضرّراً هي الأطفال والنساء وكبار السن، مشيراً إلى أن المجاعة والأوبئة تنتشر على نطاق واسع، ما يهدد حياة مئات الآلاف، لا سيّما الأطفال الذين يعانون من سوء تغذية حاد، وأمراض ناتجة عن الحصار وانهيار النظام الصحي.
وأضاف أن “جيلاً كاملاً من أطفال غزة يتعرض للإبادة البطيئة، ليس عبر القصف المباشر فحسب، بل من خلال الحرمان من الغذاء والدواء والتعليم، والظروف النفسية القاسية، والصدمة المتكرّرة بفقدان الأحبة والنزوح المستمر”.
وبحسب المدير التنفيذي لشبكة المنظمات الأهلية فإنّ “غزة اليوم لا تواجه حرباً عسكرية فحسب، بل إبادة بطيئة لجيل كامل، تُمارس عبر أدوات متعددة: القتل، والحصار، والجوع، والمرض، والانهيار النفسي. ما يجري هو جريمة كبرى أمام أعين العالم، والمجتمع الدولي مطالب بالتحرك الفوري لإنهاء هذا العدوان ووقف المأساة المستمرّة”.