القائد الجزائري الذي ابتسم ساخرا من جلاديه قبل الموت..
رد على جلاديه الذين تفننوا في تعذيبه كي ينتزعوا منه الأسرار بصمت مطبق وابتسامة ساخرة، فشنقوه ثم أعلنوا أنه انتحر، فظل شبحه يلاحقهم إلى أن أجبرهم على الاعتراف.
اسمه العربي بن مهيدي، أحد قادة جبهة التحرير الوطني الجزائرية المؤسسين الكبار، وُلد في عام 1923، وقتل شنقا في 4 مارس عام 1957، وهو لم يتجاوز من العمر الرابعة والثلاثين عاما.
قُدرة الإنسان على التحمل محدودة ولكنها نسبية، وأحيانا تصبح مذهلة وأسطورية، وهذا ما حدث مع العربي بن مهيدي الذي بلغ به إيمانه بقضية بلاده العادلة أن يبتسم فيما كان الجلادون ينتزعون أظافره وأسنانه بل ويسلخون جلده.

لم يفرط بن مهيدي في حياته ولم يتخل عنها بلا سبب. كان موته تضحية كبرى من أجل مثل عليا آمن بها. اختار الموت من أجل الآخرين، من أجل من قادهم إلى المعارك مع المحتلين الفرنسيين كي يعيش أهلهم وأحفادهم فيما بعد أحرارا في بلادهم المستقلة. قاتل واستشهد كي تعيش الجزائر ويسقط وهم الجلادين القساة في أنها فرنسية.
هذا الرجل الكبير كان يحب الحياة, كان شغوفا بكرة القدم ويهوي المسرح والتمثيل، وكان عطوفا وحنونا ورقيقا مثل الموشحات الأندلسية التي كان يعشقها.
كان أيضا في نفس الوقت متدينا لا يتأخر عن أداء الفروض الدينية، ولا هم له إلا التفكير في مصير بلاده. لم تكن للعربي بن مهيدي قضية شخصية مع المستعمرين الفرنسيين، كان يحمل قضية شعب بأكمله، وكانت روحه دائما على كفيه وهو يتقدم الصفوف ويبدع في التنظيم وينفخ في نار الثورة، يرهق المستعمرين في نهارهم ويؤرقهم في ليلهم.

كان العربي بن مهيدي يمشي على قدميه، وتمتد جذوره في أعماق التاريخ. كان يعرف جيدا أن الاستعمار الفرنسي إلى زوال مهما طال الزمن، وأن 132 عاما من الهيمنة الاستيطانية الفرنسية لن تغير هوية الجزائر ولن تنتزعها من منابتها.
بن مهيدي كان يعرف جيدا الطريق إلى الحرية، وقد صاغها في عبارة شهيرة تقول: “ادفعوا بالثورة إلى الشارع وسيحتضنها الشعب”.
شهادة الجنرال الجلاد:
ظل شبح العربي بن مهيدي يطارد طويلا الجنرال الفرنسي بول أوساريسيس، وقد روى في كتاب صدر عام 2001 ما حدث، وكشف تفاصيل اللحظات الأخيرة قبل استشهاد بن مهيدي، ثم ردد ذلك في مقابلة مع صحيفة لوموند في 6 مارس عام 2007.
