google-site-verification=0y7SK1TSqpUjd-0k3R3QUeUDKj-1chg6Il-3Qtn7XUM
وكالة عيون القدس الإخبارية
وكالة عيون القدس الإخبارية

استعدادات متسارعة وتحسّب للمفاجأة | إيران – إسرائيل: منطقة «اللّاحرب» تتقلّص

لم يَعُد السؤال عمّا إذا كانت إسرائيل أو إيران تتوقّعان الحرب، بل عن مدى خشية كلّ منهما من مبادرة الأخرى بالضربة الأولى؛ ولذا، فهما تعدّان العدّة للردّ، أو حتى لتوجيه ضربة استباقية. وعلى الرغم من أن أحداً في طهران أو في تل أبيب، لا يفصح عن نيّة جدّية لشنّ حرب شاملة، فإنه في ظلّ غياب الثقة والفهم الخاطئ، وانعدام أيّ قنوات تفاوض، فضلاً عن تطور القدرات العسكرية والاستعدادات لدى الطرفين، تتصاعد احتمالات تفسير أحدهما أي تحرّك دفاعي من جانب الآخر على أنه مقدّمة لهجوم، ليبدأ والحال هذه سباق نحو المواجهة، ليس بدافع الرغبة فيها، بل خشية التفاجؤ بها.

ومنذ انتهاء جولة التصعيد الأخيرة، لم تكتفِ إيران بإصلاح ما دُمّر؛ بل سارعت إلى تطوير قدراتها الصاروخية نوعاً وكمّاً ومديات، وأعادت تشغيل منشآت التخصيب، كما أعلنت عن بناء مواقع جديدة، والأهمّ، أن مخزون اليورانيوم المخصّب لديها لم يُمسّ بشكل جوهري، وهو ما يعترف به أعداؤها. وفي الوقت نفسه، تضغط الجمهورية الإسلامية على روسيا والصين للحصول على أنظمة دفاع جوّي متطوّرة، وطائرات حربية تعيد تشكيل قدراتها الجوية، وذلك في ضوء دروس الجولة السابقة، وعلى رأسها ضرورة تشتيت القدرة ومراكز الثقل وتوزيعها، واللامركزية، والتخفّي، بما يتيح تفادي الوقوع في المباغتة مرّة أخرى.

من وجهة النظر الإسرائيلية، فإن ما تقوم به إيران، ليس الهدف منه محاولة «العودة إلى الوضع الطبيعي»، بل استئناف مسيرة تسلّح ترمي إلى تشييد بنية تحتية تتيح لها، في لحظة قرار مستقبلية، امتلاك سلاح نووي أو قدرة صاروخية لا يمكن الردّ عليها. وعليه، ولأن إسرائيل أيضاً لا تثق بأيّ اتفاق دولي، فإن خيارها المفضّل يبقى: الضرب قبل أن يكتمل التهديد. لكن هنا تكمن المعضلة؛ فالضربات الجوية، مهما كانت دقيقة، لا تقتل العلم، ولا تمحو المصانع، ولا تبيد آلاف المهندسين والعلماء؛ فكيف الحال والحديث يدور عن إيران، الدولة الكبيرة ذات العمق الصناعي والبشري، والتي أثبتت التجربة أن كل ضربة تُوجَّه إليها اليوم، يجاب عليها ببناء أسرع وأعمق غداً، وفي مواقع أكثر أماناً وأقلّ قابلية للاستهداف.

وهكذا، تجد إسرائيل نفسها أمام ثلاثة خيارات، جميعها إشكالية: أولها العسكري الذي ثبت أنه لا يقضي على التهديد، بل يسرّع من إعادة بنائه وتناميه، ويوفّر لإيران غطاءً وطنيّاً داخليّاً لرفع سقف قدراتها؛ والثاني السياسي، المتمثّل في دعم اتفاق نووي جديد، وهو ما ترفضه إسرائيل مبدئيّاً، ما لم يكن مضمونه الاستسلام الإيراني غير المشروط؛ وأما ثالثها، فالخيار السلبي، أي القبول بصمت بتنامي التهديد، الأمر الذي يتعذّر على تل أبيب التعايش معه.

وممّا تقدَّم، يَظهر أنه لا «خطة خروج» واضحة من هذه المواجهة المفتوحة؛ فلا إسرائيل قادرة على حسْمها عسكريّاً، ولا هي مستعدّة لاحتوائها دبلوماسيّاً، كما أنها لا تستطيع تحمُّل ثمن تجاهلها. والنتيجة الوحيدة المُتاحة، هي خيارات نظريّة ضمن حلقة لا نهاية لها من «الضرب والانتظار»، أي الضرب حين يقترب التهديد من عتبة الخطر، ثم الانتظار حتى يعود ليقترب مجدّداً. لكنّ هذه الخيارات لا تستقيم، لأنه في كل دورة، يزداد الثمن، ويضيق هامش المناورة، وتتقلّص إمكانية تجنُّب مواجهة أوسع.

فهل كل هذا يعني أن جولة تصعيد جديدة مُستبعدة، أم أنّنا على أعتابها؟ الحقيقة أنه لا توجد إجابة حاسمة، لا نفياً ولا تأكيداً. ذلك أن نية إسرائيل توجيه ضربة جديدة، لا تعني الكثير في ظلّ عدم توافر القدرة على إحداث تأثير دائم، وهو ما يمثّل أحد دروس المواجهة السابقة؛ كما أنه إذا كان الثمن ردّاً إيرانيّاً أوسع، فستكون النتيجة أيضاً محلَّ اعتبار وربّما أيضاً دعوة إلى الانكفاء. وفي المقابل، لا تكفي رغبة إيران في تعزيز الردع لتفادي المواجهة، خاصة إذا لم تعمد إسرائيل إلى الاعتداء أو لم تكن في وارد المبادرة إليه. أما إذا قرأت طهران تحرّكات تل أبيب على أنها مقدّمة لهجوم، فقد تبادر استباقيّاً لمنع مفاجأتها كما حصل في الماضي.

وإذا كان القرار الأميركي حاسماً في هذا الشأن، وتحديداً في ما يتعلّق بخطط إسرائيل وقراراتها، فهل يمكن الرهان على موقف الإدارة الحالية كعامل لكبح التصعيد؟ مع إدارة كهذه، تكون النسبة متساوية، إنْ لم تَرجح كفّة التصعيد على كفّة الاستقرار. وهنا، يصبح العامل الأميركي، والوضع الداخلي في كل من طهران وتل أبيب، وحسابات الجدوى مقابل الكلفة، ودروس الجولة السابقة، عوامل تحبط التصعيد في لحظة، وتدفع إليه في لحظة أخرى، وهذه هي مفارقة الوضع الحالي بين إيران وإسرائيل.

لذلك، لا يمكن القول إنّنا عشية حرب وشيكة، ولا نحن في مرحلة اللاحرب. قد نكون في منطقة رمادية، حيث يكفي خطأ في التقدير، أو تصعيد رمزي يخرج عن السيطرة، أو تغيّر مفاجئ في موازين القوى، ليدفع طرفاً أو الطرفين معاً، نحو المواجهة التي لا يفتآن يستعدّان لها.

Leave A Reply

Your email address will not be published.