“الغارديان”: ما سلاح الاتحاد الأوروبي السري ضد ترامب؟
صحيفة “الغارديان” البريطانية تنشر مقال رأي يناقش تحوّل العلاقة بين الولايات المتحدة وأوروبا من شراكة استراتيجية إلى حالة خصومة مفتوحة في ظل سياسات إدارة دونالد ترامب، ويطرح فكرة أنّ أوروبا تمتلك أدوات حقيقية للضغط على واشنطن إذا قررت المواجهة.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
لقد حدث ما لا يُصدَّق. أصبحت الولايات المتحدة خصماً لأوروبا. إنّ الخيانة الصارخة والعميقة التي تنطوي عليها استراتيجية الأمن القومي لإدارة ترامب كفيلة بوضع حدٍّ لأي إنكار أو تردد في عواصم أوروبا. إن تنمية “مقاومة المسار الحالي لأوروبا في الدول الأوروبية” باتت سياسة واشنطن المعلنة.
لكن في خضم هذه الكارثة تكمن فرصةٌ للوضوح. إما أن تُقاتل أوروبا أو ستُباد. والخبر السار هو أن أوروبا تمتلك أوراقاً رابحة.
إن رهان الولايات المتحدة على الذكاء الاصطناعي أصبح ضخماً إلى درجة أن معاش كل ناخبٍ مؤيّدٍ لترامب بات مرتبطاً ببقاء هذه الفقاعة الاقتصادية الهشّة. يُنافس الاستثمار في الذكاء الاصطناعي الآن الإنفاق الاستهلاكي باعتباره المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي الأميركي. فقد شكّل ما يقرب من 92% من نمو الناتج المحلي الإجمالي في النصف الأول من هذا العام. ومن دونه، لم ينمُ الناتج المحلي الإجمالي الأميركي إلا بنسبة 0.1%. على الرغم من مواقف دونالد ترامب، إلا أن وضعه الاقتصادي هشّ.
تحالف ترامب السياسي هشٌّ أيضاً. في تموز/يوليو، ومرة أخرى هذا الشهر، عجز ترامب عن إجبار الجمهوريين في مجلس الشيوخ على تمرير مشروع قانونه لتجميد استخدام الذكاء الاصطناعي، والذي كان سيمنع الولايات من صياغة قوانينها الخاصة بهذا الشأن. يخشى جناح ستيف بانون في حركة “لنجعل أميركا عظيمة مجدداً” (MAGA) من أن يحلّ الذكاء الاصطناعي محلّ العمالة بشكل جماعي، ويشعرون بالفزع مما يتعرض له الأطفال في المنصات الرقمية. ولا يثق ناخبو حركة “لنجعل أميركا عظيمة مجدداً” (MAGA) بشكل خاص في النفوذ السياسي لشركات التكنولوجيا الكبرى. التكنولوجيا موضوع خطير بالنسبة إلى ترامب.
تمتلك أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، ورقتين رابحتين قد تُنهيان فقاعة الذكاء الاصطناعي. إذا فعلت ذلك، ستدخل رئاسة ترامب في أزمة حقيقية.
أولاً، تحتكر شركة ASML الهولندية عالمياً آلات حفر الرقائق الدقيقة التي تستخدم الضوء لنقش الأنماط على السيليكون. هذه الآلات ضرورية لشركة “Nvidia”، عملاق رقائق الذكاء الاصطناعي، والتي تُعدّ الآن الشركة الأغلى قيمة في العالم. تُعدّ “ASML” من بين أغلى الشركات في أوروبا، كما تستثمر البنوك الأوروبية وشركات الأسهم الخاصة في مجال الذكاء الاصطناعي. سيكون حجب هذه الآلات صعباً على أوروبا، ومؤلماً للغاية للاقتصاد الهولندي، لكنه سيكون أشدّ وطأة على ترامب.
سيواجه استثمار الولايات المتحدة المحموم في الذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات التي يعتمد عليها عقبةً كبيرة إذا أدت ضوابط التصدير الأوروبية إلى إبطاء أو إيقاف الصادرات إلى الولايات المتحدة، وإلى تايوان، حيث تُنتج “Nvidia” رقائقها الأكثر تطوراً. من خلال هذه الآلية، تملك أوروبا القدرة على تحديد إذا ما كان الاقتصاد الأميركي سينمو أم سينكمش، وإلى أي مدى.
ثانياً، وهو أسهل بكثير بالنسبة إلى أوروبا، تطبيق قواعد البيانات التي أهملها الاتحاد الأوروبي طويلاً ضد شركات التكنولوجيا الأميركية الكبرى. تكشف وثائق سرية لشركات، نُشرت في دعوى قضائية أميركية، مدى ضعف شركات مثل جوجل أمام تطبيق قواعد حماية البيانات الأساسية. في الوقت نفسه، عجزت شركة ميتا عن إطلاع محكمة أميركية على كيفية استخدام أنظمتها الداخلية لبيانات المستخدمين، أو من يمكنه الوصول إليها، أو الغرض من ذلك.
تتيح هذه الفوضى في استخدام البيانات لشركات التكنولوجيا الكبرى تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي الخاصة بها على كميات هائلة من بيانات المستخدمين، بينما يُعدّ هذا الأمر غير قانوني في أوروبا، حيث يُلزم القانون الشركات بالتحكّم الدقيق في كيفية استخدامها للبيانات الشخصية والشفافية في استخدامها. كل ما على بروكسل فعله هو تشديد الرقابة على أيرلندا، التي لطالما كانت بيئة متساهلة في تطبيق قوانين حماية البيانات، وستمتد تداعيات ذلك إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير.
لو تحلّى الاتحاد الأوروبي بالجرأة الكافية لممارسة هذا الضغط، لكان على شركات التكنولوجيا الأميركية إعادة بناء تقنياتها من الصفر للتعامل مع البيانات بشكل صحيح. كما كان عليها إبلاغ المستثمرين بأن أدوات الذكاء الاصطناعي الخاصة بها ممنوعة من الوصول إلى السوق الأوروبية القيّمة إلى حين امتثالها للقوانين. من غير المرجّح أن تصمد فقاعة الذكاء الاصطناعي أمام هذه الصدمة المزدوجة.
لم يصوّت ناخبو حركة “ماغا” للتخلي عن حرياتهم وحقوقهم الدستورية، ومن المرجّح أن يحظى ترامب، الذي يزداد استبداداً ويعجز عن تحقيق الاستقرار الاقتصادي بسبب علاقاته الوثيقة بقطاع التكنولوجيا المكروه، بشعبية متدنية للغاية في انتخابات التجديد النصفي لعام 2026.
يُحتّم ميزان المخاطر الآن على القادة الأوروبيين إضعاف ترامب. لقد تعلّموا من عامٍ من الخضوع التام له أن هذا السلوك لا يُسهّل عليه سوى إخضاعهم. تتلاشى أسباب الحذر. يُظهر ردّ الفعل العنيف لقادة “ماغا” على الغرامة البسيطة نسبياً التي فرضتها المفوضية الأوروبية مؤخراً على “إكس”، والبالغة 120 مليون يورو، أنّ التراجع لن يُرضيهم. وقد بدّدت “خطة النقاط الثماني والعشرين” التي طرحها ترامب بشأن أوكرانيا أي وهمٍ بأن التنازلات الأوروبية ستضمن عودة الولايات المتحدة إلى التزامها العسكري.
مع تعرّض ديمقراطيتها لتهديد صريح، يتعيّن على أوروبا أن تحذو حذو الهند والبرازيل والصين في التصدي لترامب.
يُعدّ الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا مثالاً يُحتذى به في هذا الصدد. فقد أظهر كرامةً وحزماً في مواجهة الترهيب غير المسبوق من ترامب. ففي شهر واحد، في أيلول/سبتمبر، أعلن في رسالة مفتوحة إلى ترامب أن ديمقراطية بلاده وسيادتها غير قابلتين للتفاوض، وردّ على تعرفات ترامب الجمركية بتعرفات مماثلة، وأقرّ قانوناً جديداً يُلزم المنصات الرقمية بحماية الأطفال في البرازيل من التحرش الجنسي وغيره من الأضرار الإلكترونية.
ثم وجّه انتقادات لاذعة لترامب في خطاب ألقاه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة قبيل بدء كلمة ترامب. ونتيجةً لرفض لولا الخضوع للترهيب، خفّف ترامب من لهجته على الفور. ومن المتوقع الآن خفض التعرفات الجمركية بعد مفاوضات بين الزعيمين.
وكان ترامب قد صرّح في وقت سابق من ديسمبر بأنه يعتقد أن قادة أوروبا ضعفاء. هو لا يعتقد أنهم سيدافعون عن حريات الأوروبيين وديمقراطيتهم التي ناضلوا من أجلها ضده. وحتى الآن، يثبت ردّ فعل القادة الأوروبيين صحة كلامه. لكن ما لم يفهمه ترامب بعد هو أن فون دير لاين تُمسك بزمام الاقتصاد الأميركي ورئاسته. يجب أن تتحلّى بالشجاعة لتجاوز أي أعراف سابقة لسلوكها. بعبارة أخرى، إذا وجّهت ضربة قاضية لترامب، فستنتصر أوروبا في هذه المعركة.