تتجه الأنظار إلى العاصمة القطرية الدوحة، التي تستضيف الاثنين المقبل، القمة العربية الإسلامية الطارئة، لمناقشة الهجوم الإسرائيلي غير المسبوق على دولة قطر، في تطور وصفته أوساط سياسية بأنه يمثّل تحولًا خطيرًا في طبيعة الصراع بالمنطقة، وسط توقعات بقرارات حاسمة، قد تفضي إلى تجميد العلاقات مع الاحتلال، خصوصاً على الصعيد الاقتصادي، إلى حين انتهاء العدوان على غزة.
وأفاد مصدر مصري مطّلع لـ”العربي الجديد” بأن الرئيس عبد الفتاح السيسي “سيشارك في أعمال القمة، في خطوة تُظهر حجم الاهتمام المصري بضرورة توحيد الموقفين العربي والإسلامي تجاه الاعتداء الإسرائيلي، والبحث عن آليات مشتركة للتصدي له”. ووفق المصدر، فإن القاهرة ترى أن هذه القمة يجب أن تخرج بقرارات “تليق بحجم العدوان” وتعيد الاعتبار للعمل العربي المشترك الذي تراجع في السنوات الأخيرة.
وفي إطار التحضير، أصدرت وزارة الخارجية المصرية بيانًا اليوم السبت، أكدت فيه أن الوزير بدر عبد العاطي أجرى اتصالات هاتفية مع وزير خارجية السعودية الأمير فيصل بن فرحان، ووزير الخارجية التركي هاكان فيدا، ووزير خارجية باكستان محمد إسحاق دار نائب رئيس الوزراء، وزير خارجية باكستان.
وأشار البيان إلى أن الاتصالات تناولت تقييم الأوضاع الراهنة، وتبادل الرؤى حول التعامل مع التحديات السياسية والأمنية التي تواجه المنطقة عقب الأحداث الأخيرة. وشدد الوزراء على “أهمية تعزيز التضامن العربي والإسلامي، ومواصلة التنسيق في المجالات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية بما يخدم أمن واستقرار المنطقة”.
وبحسب معلومات “العربي الجديد”، تُطرح أمام القمة عدة مسارات محتملة للقرارات، أولها الإدانة الواضحة للعدوان الإسرائيلي على قطر باعتباره سابقة خطيرة تمس سيادة الدول العربية والإسلامية، والتحرك الدبلوماسي المنسق في مجلس الأمن والأمم المتحدة ومنظمات إسلامية ودولية للضغط على إسرائيل وتحميلها مسؤولية التصعيد، إضافة إلى إجراءات اقتصادية وإعلامية قد تصل إلى المقاطعة، لزيادة كلفة العدوان، والتأكيد على وحدة الصف وضرورة تجاوز الخلافات العربية والإسلامية في مواجهة الأخطار المشتركة.
ويأتي انعقاد القمة في ظل أجواء إقليمية متوترة، حيث يشهد الشرق الأوسط موجة من التصعيد بين إسرائيل وعدد من القوى العربية والإسلامية. ويرى محللون أن هذه القمة قد تمثل اختبارًا جادًا لقدرة النظام العربي – الإسلامي على الانتقال من مستوى الإدانة إلى مستوى الفعل، خاصة في ضوء حجم التهديدات الأمنية والسياسية القائمة.
وتحمل المشاركة المصرية المحتملة دلالات متعددة، فهي من جهة تعكس إدراك النظام المصري أن الصمت أو التمثيل المنخفض لن يكون مناسبًا أمام سابقة عدوانية بهذا الحجم، ومن جهة أخرى تكشف عن محاولة القاهرة إعادة ترميم صورتها كدولة قائدة في المنطقة، خصوصًا بعد الانتقادات التي طاولت دورها في بعض الملفات الإقليمية.
وأكد مصدر مصري مطّلع لـ”العربي الجديد” أن القاهرة ترى في هذه القمة فرصة لإعادة التوازن إلى المشهد العربي، والتأكيد على أن أمن قطر جزء من منظومة الأمن القومي العربي والإسلامي. وتشير معلومات حصل عليها “العربي الجديد” إلى أن القمة قد تسفر عن مزيج من الإجراءات الرمزية والفعلية، مثل إصدار إدانة جماعية واضحة للهجوم، وإطلاق مسار دبلوماسي منسق في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، وربما التلويح بخيارات اقتصادية أو مراجعة للعلاقات التجارية مع إسرائيل، وهو ما سيتوقف على حجم التوافق بين الدول المشاركة. كما يُرجح أن تؤكد القمة على ضرورة تجاوز الخلافات الداخلية بين الدول العربية والإسلامية، باعتبار وحدة الصف أداة أساسية لردع أي اعتداءات مستقبلية.
ويرى مراقبون أنه بالنسبة لمصر، فإن المشاركة على مستوى القمة تمثل اختبارًا جديًا لدورها الإقليمي، فهي الدولة الأكبر عربيًا من حيث السكان والأكثر تأثيرًا سياسيًا وعسكريًا، لكنها مقيدة في الوقت ذاته بشبكة معقدة من الالتزامات الدولية والإقليمية. من هنا، فإن ظهور السيسي في القمة سيحمل رسالة واضحة بأن القاهرة تسعى لاستعادة زمام المبادرة، والانتقال من موقع المتلقي للتطورات إلى صانع المواقف.
وفي السياق، أكد السفير محمد حجازي، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، في تصريحات خاصة لـ”العربي الجديد” أن “على القمة الطارئة أن توجه رسالة واضحة للأسرة الدولية بعدم الرضوخ لمحاولات التهجير التي تمثل جريمة حرب تعرض مرتكبيها للمساءلة أمام المحكمة الجنائية الدولية. كما دعا إلى أن تتبنى القمة قرارًا بمواصلة العمل من أجل تنفيذ خطة التعافي المبكر وإعادة إعمار غزة”.
واقترح حجازي أن ينبثق عن القمة اجتماع مصغر يضم مصر وتركيا والسعودية وإيران، إلى جانب من يرغب من دول الخليج والجزائر والمغرب، تمهيدًا لتأسيس منظومة للأمن والتعاون الإقليمي على غرار “إعلان هلسنكي 1975” في أوروبا. وأكد أن الشرق الأوسط هو المنطقة الوحيدة في العالم التي تفتقر إلى مثل هذه المنظومة، وهو ما جعلها عرضة للمشروعات المشبوهة منذ وعد بلفور حتى “صفقة القرن”. وأوضح أن انتقال هذه الاجتماعات لاحقًا إلى نيويورك على هامش الجمعية العامة قد يفضي إلى إصدار إعلان سياسي ملزم يضع أسس الأمن والاستقرار الإقليمي.
كما طالب حجازي بأن تدعو القمة المحكمة الجنائية الدولية إلى توصيف ومتابعة الجرائم التي ارتكبها الاحتلال، وأن تضغط على محكمة العدل الدولية للإسراع في مداولاتها بشأن قضية الإبادة الجماعية، باعتبار أن مجرد تحريك هذه الإجراءات يشكل وسيلة ضغط إضافية على إسرائيل. وأكد أن القمة يجب أن تخرج بقرارات عملية، أبرزها دعم خطة إعادة الإعمار المصرية – الفلسطينية – الأممية، وتأييد فكرة إدارة قطاع غزة مستقبلاً من خلال لجنة إسناد مجتمعي ترتبط سياسيًا وقانونيًا بالسلطة الوطنية الفلسطينية، بحيث تنضم حماس إلى منظمة التحرير وتمارس دورها من داخل الأطر الشرعية.
واعتبر الدبلوماسي السابق، أن مصر مطالبة بصياغة موقف موحد داخل القمة يضمن ترجمة قراراتها إلى خطة تنفيذية فاعلة ومؤثرة، بدلًا من ترك الساحة لإسرائيل لتفرض رؤيتها لإعادة تشكيل الشرق الأوسط. كما دعا إلى إعادة تفعيل منظومة الأمن الخليجي عبر قوة ردع مشتركة، مؤكدًا أن “من يمتلك جيشًا قويًا يحمي سماءه وأرضه لن ينال منه المعتدي”. وشدد على أن القمة يجب أن تواكب التطورات الدولية، خاصة بعد الاعتراف الواسع بالدولة الفلسطينية، عبر إجراءات عملية وعقوبات على إسرائيل تجعل لهذا الاعتراف “أنْيابًا وقدرة على التحقق على الأرض”.
وأكد حجازي أن القمة العربية – الإسلامية الطارئة المرتقبة في الدوحة، والتي تستضيفها قطر، “تأتي في توقيت بالغ الحساسية والخطورة بعد الاعتداء الإسرائيلي على الأراضي القطرية ومحاولة اغتيال قيادات من حركة حماس، في مشهد أدانه المجتمع الدولي على نطاق واسع”. وأشار إلى أن جلسة مجلس الأمن الأخيرة كانت بمثابة “جلسة محاكمة لإسرائيل”، بعدما أصدر المجلس بيانًا يدين الاعتداء ويعبر عن التضامن مع قطر، فيما أصدرت الترويكا الأوروبية (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) بيانًا بلغة أشد وضوحًا في الإدانة، ما يعكس تآكل الثقة في الموقف الإسرائيلي الذي بات مدانًا على مختلف الأصعدة.
وأضاف حجازي أن عزلة إسرائيل الدولية بلغت أقصى مداها، مشيرًا إلى القرار التاريخي للجمعية العامة للأمم المتحدة الذي أعاد التأكيد على حل الدولتين والاعتراف بالدولة الفلسطينية، حيث أيّدت 142 دولة القرار، وامتنعت 12، بينما عارضته 10 فقط. هذا المشهد الدولي، بحسب وصفه، يزيد من الضغط على إسرائيل، خاصة في ظل تحركات قطرية بارزة في واشنطن، حيث أجرى رئيس الوزراء، وزير الخارجية القطري مباحثات في البيت الأبيض مع الرئيس دونالد ترامب ونائبه جي دي فانس ووزير الخارجية ماركو روبيو، وهو ما يعكس أن الممارسات الإسرائيلية باتت تهدد المصالح الأميركية في الخليج والاستقرار الإقليمي برمته.
وشدد حجازي على أن الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة وصلت إلى حد الكارثة بعد عامين من القتل والتجويع، محذرًا من خطورة أي محاولة للتهجير القسري للفلسطينيين.
في المقابل، رأى مساعد وزير الخارجية الأسبق معصوم مرزوق، في تصريحات خاصة لـ”العربي الجديد”، أنّ القمة العربية – الإسلامية المرتقبة تحمل عنوانًا كبيرًا يجذب أنظار المجتمع الدولي، الذي يترقب ما قد يصدر عنها من قرارات. لكنه أشار في الوقت ذاته إلى وجود مشكلة بنيوية في مثل هذه التجمعات، تتمثل في ازدحامها بعدد كبير من المصالح والمواقف المتباينة، ما يجعل الحصيلة المتوقعة غالبًا لا تتجاوز التوافق على الحد الأدنى.