ولطالما لعبت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية دورا محوريا في إنقاذ الأرواح عبر برامج مكافحة الأمراض في الدول النامية، بدءا من توزيع لقاحات الملاريا وصولا إلى دعم مبادرات مثل “خطة الرئيس الطارئة للإغاثة من الإيدز” (PEPFAR)، التي أنقذت أجيالا من انتقال فيروس نقص المناعة البشرية (HIV) من الأمهات إلى أطفالهن.
وتقدر الدراسة أن 91 مليون حالة وفاة قد تم تجنبها بين عامي 2001 و2021 في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل (LMICs) بفضل البرامج المدعومة من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، أكبر وكالة تمويل للمساعدات الإنسانية والتنموية في العالم. ومع ذلك، فإن التخفيضات الأخيرة في المساعدات الخارجية الأمريكية قد تعكس هذا التقدم وتؤدي إلى أكثر من 14 مليون حالة وفاة إضافية بحلول عام 2030، بما في ذلك أكثر من 4.5 مليون طفل دون سن الخامسة.
وهذه الأرقام ليست مجرد إحصاءات، بل تمثل مأساة إنسانية قابلة للتفادي، خاصة في مناطق تعاني أساسا من هشاشة الأنظمة الصحية.
وشارك في الدراسة باحثون من معهد برشلونة للصحة العالمية (ISGlobal)، ومعهد الصحة الجماعية في الجامعة الاتحادية لـ”باهيا” (ISC-UFBA)، وجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس (UCLA)، ومركز “مانهيسا” لأبحاث الصحة (CISM)، بين آخرين.
واعتمدت الدراسة منهجية شاملة تجمع بين التحليل التاريخي والتنبؤ المستقبلي عبر نماذج إحصائية معقدة، حيث رصدت انخفاضا ملحوظا في الوفيات بنسبة 15% بشكل عام و32% بين الأطفال تحت الخامسة في الدول المستفيدة. كما سجلت إنجازات نوعية في مكافحة أمراض محددة، مع انخفاض وفيات الإيدز بنسبة 74% والملاريا 53% والأمراض المدارية المهملة 51% مقارنة بالدول الأقل حصولا على الدعم.
ويحذر الباحثون من تداعيات متسلسلة تتجاوز الجانب الصحي، حيث تشير النماذج التنبؤية إلى أن استمرار التخفيضات قد يفقد مكاسب تنموية استغرقت عقدين من الزمن.
ويبرز التحليل الدور الشامل لتمويل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في تعزيز التعليم والأمن الغذائي والبنية التحتية للمياه، ما يجعله عاملا حاسما في تحسين المحددات الاجتماعية للصحة.
وفي سياق متصل، لفتت الدراسة إلى المخاطر المترتبة على انخفاض المساهمات الأمريكية التي تشكل 40% من المنح الإنسانية العالمية، ما قد يشجع جهات مانحة أخرى مثل الاتحاد الأوروبي على خفض مساعداتها.
يذكر أن كل مواطن أمريكي يساهم بنحو 64 دولارا سنويا في هذه البرامج، وهو مبلغ زهيد مقارنة بتأثيره المنقذ للأرواح.
ويؤكد القائمون على الدراسة أن هذه النتائج تمثل تحذيرً واضحا من العواقب الإنسانية الوخيمة للتراجع عن الالتزامات التنموية، مع الإشارة إلى أن السيناريو المتوقع قد يتغير حسب استجابة المجتمع الدولي.
وتكمن أهمية هذه الدراسة في كونها أول تقييم شامل للعلاقة بين تمويل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية المتعدد القطاعات – بما في ذلك الدعم للرعاية الصحية، التغذية، المساعدات الإنسانية، التنمية، التعليم، والقطاعات ذات الصلة – ومعدلات الوفيات في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل على مدى عقدين.
ويؤكد فريق البحث أن التوقعات تمثل السيناريو الأكثر احتمالية بناء على البيانات الحالية وقرارات السياسة، ولكن النتائج المستقبلية قد تختلف حسب استجابات الحكومات والمؤسسات.