بضع حقائق ينبغي أخذها بالحسبان عند البحث في العلاقات بين إسرائيل ومصر. التعاون العسكري بين الدولتين لم يسبق أن كان وثيقاً مثلما هو اليوم؛ المؤسسة الأمنية هنا تكن احتراماً لوزير المخابرات المصرية الجنرال عباس كامل، الذي يعمل تحت رعاية كاملة للرئيس السيسي؛ مصر تمقت تنظيم الجهاد الإسلامي ولا تنسى طاعته للحرس الثوري الذي يقدم له المال والسلاح والذخيرة؛ القاهرة حذرة جداً أيضاً من حماس التي ترتبط بحركة الإخوان المسلمين في الدولة، والتي يكرهها السيسي.
وبعد كل هذا، الإيضاح مهم: إسرائيل ومصر ليستا صديقتين ولا شريكتين، ولكل منهما مصالحها، لكن ثمة مصالح مشتركة، مثل مكافحة الإرهاب في سيناء. وثمة حقائق أخرى، ثانوية: آلاف السياح الإسرائيليين يغرقون سيناء هذه الأيام، دون قيود أمنية، يأتون في رحلات جوية لقضاء الإجازة في شرم الشيخ.
وهناك أيضاً ضخ الغاز الإسرائيلي إلى مصر، الذي يساعد الاقتصاد المصري حالياً. من الجهة الأخرى، يكاد السياح المصريون لا يسمح لهم بالوصول إلى إسرائيل، وكل محاولات دمج التكنولوجيا العليا الإسرائيلية في الدولة المجاورة ردت بمعاذير غريبة.
إذا أخذنا بالحسبان عموم هذه الحقائق، من الصعب أن نسمي ما يحصل الآن في علاقات السياسي ويئير لبيد أزمة حقيقية. لقد كانت لمصر خطة مرتبة بعد وقف النار في حملة “بزوغ الفجر” لكن إسرائيل واصلت العمل ضد الجهاد في يهودا والسامرة. وكما أسلفنا، لا توجد قطيعة، لكنه في أقصى الأحوال توتر على مستوى متوسط، سيمر على ما يبدو بعد الإيضاح من جانب محافل إسرائيلية رفيعة المستوى لوزير المخابرات كامل في موضوع الجهاد الإسلامي، في غزة و”يهودا والسامرة”، وكذا في موضوع حماس رغم أنها لم تشارك في المواجهة الأخيرة. وثمة توقع بأن المصريين سيفهمون فوراً.
ومع ذلك، ثمة مسؤولون إسرائيليون كبار وخبراء في العمل مع القاهرة يعلّمون الأكثر شباباً كيفية الحفاظ على الثقة، وعدم الخروج في تصريحات متهورة والامتناع عن الدوس على المحاصيل. كان السيسي قد دفع قدماً بعلاقات عمل سليمة مع نتنياهو وبينيت، بالضبط مثلما يعمل الآن مع لبيد، ومصر في هذا الموضوع تأخذ بالحسبان أن إسرائيل تمر في فترة انتخابات. ليس مؤكداً على الإطلاق، حتى في نظر المسؤولين في القاهرة، بأن رئيس الوزراء الحالي هو من سيفوز بها.
لقد عاد الإعلام الرسمي المصري بالتعاطي مع إسرائيل كـ “العدو الصهيوني”. ولكن ولا كلمة عن عدم الثقة بين مصر وإسرائيل. وكأن الحديث يدور عن أزمة صغيرة عابرة أنتجها مصدر إسرائيلي، في حين السيسي مشغول بقضايا أخرى. ومرة أخرى، نشدد، التنسيق الأمني توثق جداً – المصريون لا يتخلون. ولا بد أن تأتي أزمات صغيرة مشابهة.
أبو مازن، والرئيس بايدن، وإسرائيل، كلهم شكروا السيسي بكلمات حارة على جهود الوساطة في الجولة الأخيرة في غزة. في هذه الأثناء، تورط أبو مازن مع خطاب “الخمسين كارثة”، ويلمح بايدن بأنه لا يعتزم دس يديه عميقاً في النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني. من تبقى؟ السيسي. وهو يمتلك فريقاً خبيراً من الدبلوماسيين، في تل أبيب ورام الله، ويزود استخباراته بكل قطعة معلومات، وبعامة يحاول السيسي أن يعطي لنفسه صورة الزعيم الحميم، الذي يتوجه إلى شعبه بلغة شعبية، يلتقي الأطفال، ويمنح الهدايا للأرامل، ويفعل كل ما يفعله الزعيم الذي هو أيضاً إنسان. ولكنه في أساسه يبقى بارداً وواعياً. عيناه مفتوحتان دوماً، أذناه تلتقطان كل رنين. وهو يحسب كل خطوة – فقط حسب المصلحة المصرية.