تروّج بلدية الاحتلال في القدس لخطة بناء حي “عطروت” الاستيطاني على أراضي مطار قلنديا، شمال القدس، وسيتم بموجبه بناء ما بين 7,000- 9,000 وحدة سكنية لليهود المتدينين على مساحة 1243 دونماً، ما يجعله الحي الأكبر في القدس، وسيتم اطلاق اسم (الحاخام عوفاديا يوسف) عليه.
وذكر مختصون ومراقبون، أن هذا المخطط الاستيطاني يقضي على مطار قلنديا، الذي كان يجب أن يكون مطاراً للدولة الفلسطينية، ورمزاً من رموز سيادتها، محذرين كذلك من أنه يقلب الميزان الديمغرافي للصالح الإسرائيلي، وهذا ما جاء في الوثائق الإسرائيلية؛ من خلال طرد الفلسطينيين وهدم ممتلكاتهم، والإحلال الإسرائيلي عن طريق البناء المستعمرات الجديدة وتوسيع المستعمرات القديمة.
أهداف استراتيجية متعددة
قال الخبير في شؤون الاستيطان خليل تفكجي: “إن بلدية الاحتلال في القدس تروج لخطة بناء حي عطروت على أراضي مطار قلنديا، شمال القدس، تحت رقم مشروع 0764936/101”.
وأضاف: “حسب الخطة سيتم الحفاظ على مبنى المطار التاريخي القائم حتى اليوم”، مؤكداً أنه حسب المخطط سيتم بناء ما بين 7,000- 9,000 وحدة سكنية لليهود المتدينين، ما يجعله الحي الأكبر في القدس.
وأشار إلى أن لجنة التخطيط في بلدية القدس تقدمت بتوصية اللجنة المركزية بإيداع خطة بناء الحي الجديد في عطروت، موضحاً أنه تم إحراز تقدم كبير في المشروع، وسيتم اطلاق اسم (الحاخام عوفاديا يوسف) على هذا الحي الجديد.
وبيّن تفكجي أن المشروع يقع على مساحة 1243 دونماً، وتشمل الخطة في المرحلة الأولى بناء 7,000 وحدة سكنية، بما في ذلك 800 وحدة سكنية محمية ومساحات فندقية، ومناطق للمباني العامة، وأماكن عامة مفتوحة، ومناطق توظيف وأُخرى تجارية ويقول رئيس البلدية (هذا برنامج آخر ضمن البرامج التي أقودها وأروج لها، لتقليل الفجوات وخلق حلول سكنية للشباب من جميع المجتمعات، وهذه هي الطريقة الصحيحة لتحسين نوعية حياة السكان).
وأشار تفكجي إلى أن “منطقة قرية قلنديا، شمال القدس، يحيطها جدار الفصل، وتمت مصادرة مساحات كبيرة من أراضي القرية، مع منع البناء والتوسع فيها، ففي عام 2017، نفذت بلدية القدس حملة هدم جماعية طالت 11 منزلاً، في القرية وما زالت الأنقاض قائمة حتى الآن”.
واعتبر تفكجي المستعمرة الجديدة الأكبر بعد جبل أبو غنيم الذي أقيم عام 1997، مؤكداً أن هذا المشروع له عدة أهداف استراتيجية وهي:
أولاً: القضاء على ما يسمى مطار الدولة الفلسطينية، الذي كان يعد من أولويات الدولة للخروج والدخول ورمزاً من رموز السيادة.
ثانياً: فصل التجمعات العربية خلف الجدار مع التجمعات التي تقع أمام الجدار بمعنى إيجاد سد سكاني ضخم يحول ويمنع إقامة أي دولة فلسطينية ذات تواصل جغرافي.
ثالثاً: إقامة “القدس الكبرى” بالمفهوم الإسرائيلي، التي تعادل 10% من مساحة الضفة، وذلك عن طريق الأنفاق التي تُشق الآن لوصلها مع المستعمرات التي تقع إلى الشمال الشرقي من مدينة القدس، وهي كتلة (كوخاف يعقوب، بيت إيل).
رابعاً: قلب الميزان الديمغرافي للصالح الإسرائيلي، وهذا ما جاء في الوثائق الإسرائيلية من خلال الأقلية العربية التي تقوم على الطرد والهدم، والإحلال الإسرائيلي عن طريق البناء المستعمرات الجديدة وتوسيع المستعمرات القديمة.
وأضاف تفكجي: إنه جاء في الوثائق الإسرائيلية، خاصة (لجنة أرنون جافني) التي شكلتها رئيسة الوزراء آنذاك (غولدا مائير) عندما وضعت سقفاً للأقلية العربية 25% عرب، 75% يهود. واليوم تغيرت هذه السياسة إلى 12% عرب، و88% يهود.
وتتوزع ملكيات المستعمرة الجديدة التي مساحتها: 1243 دونماً كما يلي:
365 دونماً خزينة المملكة الأردنية الهاشمية.
20 دونماً، وقف إسلامي.
239 دونماً، أملاك خاصة.
116 دونماً، أملاك يهودية.
500 دونم، من أراضي عطاروت (مستعمرة إسرائيلية، هدمت سنة 1948).
مناورة سياسية بعيدة المدى
وأكد المختص في شؤون الاستيطان سهيل خليلية أن المخطط الإسرائيلي لبناء 9000 وحدة سكنية في موقع عطروت شمال القدس يمثل مناورة سياسية بعيدة المدى، تغلف زوراً بمظهر مشروع تطوير عمراني.
وقال: من منظور التخطيط المهني، وحتى ضمن الإطار الإسرائيلي نفسه، يفتقر المخطط إلى أي منطق حضري، إذ تقع عطروت كجيب معزول، مقطوع الصلة بأي مركز عمراني إسرائيلي، ومغروس في عمق تواصل فلسطيني كثيف يقطنه مئات الآلاف من الفلسطينيين. غير أن منطق مخطط عطروت ليس عمرانيا بقدر ما هو استراتيجي.
وأوضح خليلية أنه على غرار مخطط E1 شرق القدس ومخططات هار جيلو – نحال حيلتس جنوب غربها، صمم مخطط عطروت ليعمل كجسر جيوسياسي يربط كتل “جفعات زئيف” و”معاليه أدوميم” و”غوش عتصيون” الاستيطانية مع الحدود الاسرائيلية المصطنعة لمدينة القدس، مشيراً إلى أن هذه المشاريع تشترك في دفع الرؤية الإسرائيلية طويلة الأمد لما يسمى “القدس الكبرى”، عبر تطويق القدس الشرقية الفلسطينية وتفتيتها، وإغلاق الطريق أمام قيام عاصمة فلسطينية قابلة للحياة.
ولفت إلى أن مخطط عطروت قد تضمّن، منذ بداياته، ربط المستوطنة شمالاً شرقياً بالمستوطنة غير القانونية “كوخاف يعقوب” عبر نفق تحت الأرض، وهو ربط جرى تنفيذه بالفعل، ما عمّق اندماج “عطروت” داخل شبكة الاستيطان الإسرائيلية.
ويرى خليلية أن مخطط عطروت لا يعد مشروعاً معزولاً، بل أداة إضافية متعمدة في سياسة إسرائيل المنهجية الرامية إلى تفتيت التواصل الإقليمي الفلسطيني، وهو شرط أساسي لقيام دولة فلسطينية مستقلة وقابلة للحياة تكون القدس الشرقية عاصمتها.
وقال: من خلال قطع الامتداد العمراني والاقتصادي والاجتماعي الطبيعي بين رام الله والقدس وبيت لحم، يوجه المخطط ضربة مباشرة إلى قلب المتروبول الفلسطيني المستقبلي.
وذكر خليلية أن المستوطنة خصصت لتوطين سكان من التيار اليهودي الحريديم (المتدين المتشدد)، بعدد يقدر بنحو 50 ألف مستوطن، في خطوة مدروسة تهدف إلى ترجيح الكفة الديموغرافية في القدس بصورة حاسمة لصالح المستوطنين اليهود. مشدداً على إن إقامة جيب إسرائيلي بهذا الحجم في قلب التواصل الحضري الفلسطيني من شأنه أن يقيد التنمية الفلسطينية بشكل لا رجعة فيه، ويقوض الاقتصاد الفلسطيني، ويجعل أي ترتيب مستقبلي قائم على عاصمتين في القدس أمرًا شبه مستحيل.
ويرى خليلية أنه “في ظروف اعتيادية، ينتقل مثل هذا المخطط من مرحلة الإيداع إلى المصادقة النهائية خلال فترة عام أو أكثر، تليها مراحل الاعتراضات والمناقصات وإصدار التراخيص، وهي إجراءات قد تؤخر البناء لعدة سنوات. غير أنه مع وجود هذه الحكومة الإسرائيلية الحالية والمجاهرة بدعمها المطلق للاستيطان، فإنه من المرجح أن يتم تسريع كامل لمسار المصادقة على المخططات واذونات البناء قبل الانتخابات الإسرائيلية المقبلة، والمتوقعة في النصف الثاني من عام 2026.
تداعيات خطيرة
واعتبر خليلية أن للمشروع تداعيات خطيرة، وقال: إن مخطط “عطروت” يهدف بامتياز الى فصل القدس الشرقية نهائياً عن محيطها الفلسطيني، والإجهاز الفعلي على إمكانية قيام دولة فلسطينية، حيث بات واضحاً للجميع، وبما لا يقبل التأويل، أن حكومة إسرائيل ذاهبة باتجاه التصعيد بدل معالجة جذور الصراع.
وأشار إلى أن مخطط “عطروت” ليس قدراً محتوماً ولا إرثاً مفروضاً، بل هو خيار سياسي واع. خيار يضرب في قلب التواصل الحضري الفلسطيني، ويوجه ما قد يكون ضربة قاسمة لإمكانية حل الدولتين.
وختم خليلية بالقول: إنه من خلال دفع هذا المخطط قدماً، يزج رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بإسرائيل نحو واقع من الهيمنة الدائمة، والفصل العنصري، ودولة ثنائية القومية بحكم الأمر الواقع، واضعاً حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، ومستقبل إسرائيل نفسها، في قلب العاصفة المقبلة.