google-site-verification=0y7SK1TSqpUjd-0k3R3QUeUDKj-1chg6Il-3Qtn7XUM
وكالة عيون القدس الإخبارية
وكالة عيون القدس الإخبارية

قراءة في كتاب “مكان تحت الشمس” لنتنياهو

كتب/ محمد بوالروايح

إن استخدامي لكلمة “إسرائيل” هو إشارة لما يتداوله الإعلام وليس لما يقرره التاريخ، فإسرائيل هو يعقوب عليه السلام، ولا صلة للكيان الصهيوني بهذا النبي التقي النقي، فهذا الكيان قد تمرد على تعاليم يعقوب وتعاليم الأنبياء عليهم السلام، فإسرائيل في تاريخ النبوّات هو رمز للنبي الورع الذي أشرب حنيفية إبراهيم عليه السلام وهو في تاريخ الحضارات رمز للقائد الرباني الذي ساس قومه وخصومه بالقسطاس المستقيم.

أما ما يسمى “إسرائيل” هي على النقيض من ذلك، فهي كيان عديم القيم قائم على الدم، يعادي عقيدة التوحيد ولا يعترف بشعب آخر غير شعب “يسرائيل” عملا بما تنص عليه أسفار التوراة وتوصي به بروتوكولات حكماء صهيون.
إن إسرائيل هو الوشاح الأبيض الذي يحرص نتنياهو على التوشح به في كل منازلة بينه وبين خصومه، فهو بين قادة “الليكود” أكثرهم تمسكا بفكرة إسرائيل التي لا تُهزم لأنها -كما يزعم- صناعة الرب الذي اختارها على العالمين وجعل شعبها خير شعب أخرج للناس. إسرائيل في نظر نتنياهو هي مركزُ الكون وملح الأرض ويحق لها دون غيرها أن تبقى ولو تطلَّب الأمر لبقائها إفناء جميع من يعادونها من دول محور الشر، كما يصفهم.
هذا غيضٌ من فيض من الصور الجميلة التي رسمها نتنياهو عن إسرائيل العهد والموعد في كتابه: “مكانٌ تحت الشمس” والذي سأعرض للقراء جزءا يسيرا من الموضوعات التي اشتمل عليها والتي يمكن من خلالها تحليل شخصية نتنياهو السادية والشوفينية والمتناقضة التي توصي باحترام النفس البشرية في الظاهر وتحرِّض في الواقع على الكراهية.
كتاب “مكانٌ تحت الشمس” لنتنياهو يكفي للإجابة عن الأسئلة الكثيرة حول عقيدة نتنياهو الحربية وفيما إذا كان عدوانه على غزة لاجتثاث حماس ونسف بنيتها التحتية –كما يصرح لوسائل الإعلام- أم لتحقيق حلم شبابي بأن يكون الزعيم الذي يعيد لليهود مجدهم التليد ويحقق لإسرائيل الاستقرار الأبدي على أرض الميعاد.
وتنكشف في هذا الكتاب الصورة القبيحة لنتنياهو التي تتحدث عنها بعض الأحزاب اليهودية التي ترى أن عنجهيته وتهوره سيجلب على إسرائيل الويلات بل ربما يعجِّل بزوالها كما يقول المؤرخ اليهودي المعاصر “بيني موريس” الذي تنبَّأ بنهاية إسرائيل الوشيكة وبأن هذه الأخيرة ستهزم نفسها وربما ستكون نهايتها حسب تقديرنا مرتبطة بنهاية نتنياهو الذي أفرغ ما في جعبته وكنانته واستنفد كل طاقته السلبية في عدوانه الأخير على غزة وينتظره مصيرٌ مشؤوم ينقله من جحيم غزة إلى مزبلة التاريخ.
كتاب “مكانٌ تحت الشمس” لنتنياهو يؤسس للنازية الجديدة التي يستعيذ منها النازيون ولهولوكوست أفظع من الهولوكوست الذي أقامه “أدولف هتلر” من خلال إبادته لعشرات الآلاف من اليهود في أفران خاصة كما يصرح بذلك في كتابه “كفاحي”.
تصفَّحت النسخة الإنجليزية لكتاب: “مكان تحت الشمس” لنتنياهو وسأقتصر منه في هذا المقال على الفصول التي تتحدَّث عن “المستقبل النوراني لإسرائيل “كما يحلم به نتنياهو الذي يضفي على هذا الحلم مسحة دينية يستوحيها من نبوءات إشعيا التي هي في نظرنا -نحن المتخصِّصين في الديانات- نبوءاتٌ من نسج الخيال وتتحدث عن حوادث سابقة ولا تتعلق بحاضر ولا بمستقبل إسرائيل كما زعم نتنياهو ومن تبنّوا تفسيره الثيوسياسي لنبوءات إشعيا.
هذا الكتاب –كما يقول المحققون- يلخص الرؤية السياسية لنتياهو لما يجب أن تكون عليه الدولة العبرية وقد جعل منه برنامجا انتخابيا دغدغ به عواطف الجماعات اليمينية المتطرفة التي تحلم بإسرائيل أقوى وأبقى، وقد مكّنه ذلك من الوصول إلى رئاسة الوزراء ممثلا لحزب الليكود، وهو المنصب الذي احتفظ به لفترة أطول مقارنة بسابقيه، وقد شهدت رئاسته لمجلس الوزراء مظاهرات صاخبة ضد عمله الأوليغارشي الذي أدى –كما يقولون- إلى إضعاف الدولة وإلى إغراقها في دوامة من الاضطرابات السياسية بالإضافة إلى فضائح الفساد الكثيرة التي سيق على إثرها إلى العدالة ولكنه خرج منها منتصرا ولو ظرفيا على الأقل ليعود إلى رئاسة مجلس الوزراء، ولكن يبدو –حسب تقديراتنا- أن هذه العهدة لن تنقضي إلا على خبر سارّ وهو بداية نهاية هذا الكيان الاستيطاني التي نراها قريبة ويراها بعض المتخاذلين والمرجفين بعيدة.
كتاب “مكانٌ تحت الشمس” لبنيامين نتياهو –كما يبدو لنا – من مقدِّمته هو كتابٌ يؤسس لفكرة الواقعية المتطرفة التي يتبناها نتنياهو والتي تقوم على أن المستقبل للشعب اليهودي الذي عانى الويلات على أيدي الإمبراطوريات التي تعاقبت على حكمه، وأن هذا الشعب سيتحول من جماعة مقهورة إلى جماعة قاهرة. هذا الكتاب هو نسخة ثانية في تقديري لـ”بروتوكولات حكماء صهيون” أو هو على أقلّ تقدير تجسيد لهذه البروتوكولات باستخدام القوة الخشنة وليس القوة الناعمة والإغرائية التي تحدثت عنها هذه البروتوكولات وهو ما يجسده نتنياهو بحذافره في عدوانه الغاشم على غزة.
لقد أبان نتنياهو في كتابه: “مكانٌ تحت الشمس” بأنه صهيونيٌّ أكثر من مؤسسي الصهيونية، فهو يتباكى على ما سمّاه “التفريط في المبادئ” التي قامت عليها الصهيونية لصالح ديمقراطيات ومذهبيات تضرّ إسرائيل أكثر مما تنفعها، علاوة على أنها تقضي تدريجيا على الطابع الديني للدولة العبرية. ويؤمن نتنياهو في كتابه بالسياسة الهجومية التي ينبغي لإسرائيل تبنِّيها، فخيرُ وسيلة للدفاع في نظره هي الهجوم، وهذه هي الطريقة التي يمكن بها عصمة الدولة العبرية من أي عدوان محتمل من محور الشر الذي يهدد أمن إسرائيل ممثلة في إيران و”الكيانات الإرهابية” المرتبطة بها.
يقول نتياهو في هذا الكتاب إن إيران هي الخطر الأكبر الحقيقي الذي يهدد وجود إسرائيل، ولذلك لم يخف مخاوفه من البرنامج النووي الإيراني الذي يستهدف إسرائيل بالدرجة الأولى خاصة في ظل حكم إسلامي راديكالي ينظر إلى إسرائيل على أنها شر مستطير. ورسم نتياهو في هذا الكتاب خطة لكسر شوكة إيران تجلت فيما بعد في حزمة العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية على إيران بسبب برنامجها النووي.
وإلى جانب إيران، يقول نتياهو في كتابه: “مكان تحت الشمس” إن هذا المكان لن يتحقق لإسرائيل إلا بفرض هيمنتها في الشرق الأوسط وفرض وجودها بالقوة؛ إذ لا سلام مع العرب ولا اقتسام للأرض التي هي أرضٌ يهودية، يقول في هذا الصدد: “إن حق اليهود بالسكن في الخليل ونابلس وشرق القدس معترفٌ به من قبل العالم، تماما كحقهم بالسكن في حيفا ويافا وتل أبيب وغرب القدس”. هذا الكلام يؤكد أنه لا جدوى من بعض المساعي السياسية مما يسمى “حل الدولتين”؛ فنتنياهو لا يعترف إلا بدولة واحدة هي دولة “إسرائيل” ولا بأس -كما أضاف- من أن يعيش فيها مواطنون فلسطينيون، فهو يقبل بفكرة وجود المواطن الفلسطيني في الدولة العبرية ويرفض مبدأ الدولة الفلسطينية والشعب الفلسطيني.
ويؤكد نتنياهو في كتابه: “مكان تحت الشمس” بأن عين إسرائيل على الضفة الغربية التي هي الموطن التاريخي لليهود ولا يمكن التفريط فيها فهو يتذكر أجداده المدفونين هناك، ويتذكر الخليل وألون موريا وراحيل وسلوان، فمعركة نتياهو في غزة ليست إلا بداية لاسترجاع إرث الأجداد فيجب أن يتهيأ أهل الضفة الغربية والقدس وغيرها من المدن الفلسطينية لعدوان شامل بدايته غزة ونهايته آخر شبر من أرض فلسطين.
ويقلّل نتنياهو من قيمة الدول العربية المطبِّعة مع الكيان الصهيوني ويقول إن منطق القوة الرادعة الذي تنتهجه إسرائيل هو الذي أجبر بعض الدول العربية على توقيع معاهدات السلام مع إسرائيل وليس الرغبة في السلام.
أتمنى أن تقرأ الدول العربية المعنية هذه الرسالة وأن تراجع مواقفها من التطبيع بكل أشكاله، فنحن في مرحلة حرجة تحتاج فيها الأمة العربية إلى اجتماع الشمل العربي، وما نأمله هو أن تتغلب النخوة العربية على كل الحسابات السياسية والاقتصادية وما ذلك على الله بعزيز.
يؤمن نتنياهو في كتابه: “مكان تحت الشمس” بجدوى مقترح “إسحاق شامير” بتوطين مليوني مستوطن في الضفة ويرفض بشدة مبدأ “الأرض مقابل السلام”، وهذه الرسالة ينبغي أن يعيها الفلسطينيون في الضفة والقطاع بأن مصيرهم واحد وبأن إسرائيل لا تفرِّق بين حكومة القطاع وحكومة الضفة بل تعدهما عدوا واحدا يجب سحقه وتطويعه بكل الوسائل.
رسالتي إلى الفلسطينيين أن الذئب لا يُؤلَف ولا يؤمن جانبه، فنتنياهو ماض في سياسته العدوانية، فأعدُّوا لهذه الحرب عُدَّتها ولا تعوِّلوا على رسائل السلام الكاذبة التي تريد إلهاءكم واستغفالكم “ودّ الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة” (النساء 102).

Leave A Reply

Your email address will not be published.