تواصل دولة الاحتلال من خلال أجهزتها وجيشها وإدارتها المدنية التحكم في حياة الفلسطينيين في كل الأراضي المحتلة، رغم وجود السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، لكن التفكير الإسرائيلي الاستيطاني الاستعماري يذهب باتجاه نظرية السيطرة على هذه الأراضي دون وجود سكانها الأصليين في المنطقة بأكملها بين البحر والنهر، ويسعى نحو طمس الحدود بين احتلال هذه المناطق، ودولة الاحتلال نفسها، لاسيما في ظل الانزياح الإسرائيلي الحاصل نحو اليمين المتطرف.
مناحيم كلاين المحاضر بجامعة بار إيلان ومستشار الوفد الإسرائيلي في المفاوضات مع منظمة التحرير، أكد أنه “من وجهة نظر الجيش والشاباك فإن مشروع السيطرة على الفلسطينيين ليس عملاً جانبياً، بل هو الجزء الرئيسي من عملهم النهاري والليلي، لا يتعلق الأمر فقط بالمستوطنات، ولكن أيضًا في العلاقات الاقتصادية والتجارية، وتطوير التكنولوجيا الفائقة والصادرات العسكرية المتزايدة، والقدرة على استخدام الاستخبارات، حيث طوّرت المؤسسة الأمنية لأقصى حدّ آليات السيطرة على الفلسطينيين”.
وأضاف في مقال نشره موقع “سيحا ميكوميت العبري” أن “الاحتلال وصل به الأمر في مساعيه للسيطرة على الفلسطينيين لإنتاج وسائل تحديد بيومتري، وأجهزة كمبيوتر متطورة تفحص النصوص على الشبكات الاجتماعية والهواتف المحمولة، والقدرة على معالجة البيانات الضخمة، فضلا عن عمليات التجسس عبر برامج بيغاسوس، وعنوان كل هذه الآليات هو التحكم في الفلسطينيين، وبينها الأمنيات الإسرائيلية بأن يبتلع البحر غزة ويغرقها وأهلها، كما قال رابين ذات مرة، وبما أنه من المستحيل تحقيق هذه الرغبة، فإن إسرائيل تعمل على محو وجود غزة كعامل تغيير، وترويضها على غرار ما فعلته في الضفة”.
وأكد أن “إسرائيل حاضرة في الحياة اليومية لسكان غزة، إما كمنصة للسيطرة الإسرائيلية وتقرير المصير كحاكم محتلّ، أو من خلال معارضتهم وتعريف إسرائيل لنفسها كمقاتلة ضد فصائلهم المسلحة، أما مشروع السيطرة الإسرائيلية في الضفة الغربية فله خصائص أخرى، حيث سمحت إسرائيل بانتخاب أبي مازن عندما وافق على العمل كمقاول فرعي لآلية سيطرتها على شعبه، وتسمح له باللعب كرئيس دولة، لكنها في الوقت ذاته تحبط بشكل منهجي تحركاته في الساحة الدولية، وتضرب مناطق سيطرته في الداخل، وجعلت منه شخصية مثيرة للشفقة”.
لعل ما يمنح هذا الرأي وجاهة ومصداقية أن كل ما يجري في الأراضي الفلسطينية المحتلة يصاغ وفق رغبات الاحتلال، ومع توسع مشاريعه الاستيطانية، ظهر نظام واحد بين نهر الأردن والبحر المتوسط عنوانه السيطرة اليهودية، وتسعى إسرائيل لاستخلاف كلمة “الغزو والاحتلال” خشية ردود الفعل الأوروبية والدولية بكلمة “سيطرة”، لكن النتيجة النهائية واحدة، ومؤشراتها تتمثل في التحكم في حياة الفلسطينيين: ديموغرافيًا وسياسيًا وهوياتياً.
الغريب أن الاحتلال من خلال جيشه وأجهزته الأمنية يصبون جام غضبهم على السلطة الفلسطينية بزعم فشلها في إحباط الهجمات الفدائية الأخيرة رغم أنها تعمل لديه مقاولا أمنياً للسيطرة على الفلسطينيين نيابة عنه، ما ينفي وجاهة إحباطهم من فقدان السلطة الفلسطينية السيطرة على شعبها، ولا يحق لهم الغضب لأن مقاولهم من الباطن لا يحقق الأهداف التي حددوها له.