بقلم/ ياسر عرفات الخواجا تطل علينا ذكرى الدم والشهادة، ذكرى الانطلاقة (35) لحركة الجهاد الإسلامي، طليعة الفكر والعمل الجهادى والاستشهادي منهجاً وسلوكاً، تأتى هذه الذكرى والحركة ما زالت تحمل هم وأعباء القضية الفلسطينية، وتواجه كل التحديات الصهيونية التي تحاول استهدافها واستئصالها كونها القلعة العصية، والصخرة الصلبة التي تحطمت عليها كل المؤامرات لتصفية القضية الفلسطينية، تأتى الذكرى (35) وما زالت أيدي أبناء الجهاد الإسلامي على الزناد، وعيونهم ترنو نحو القدس، تعطشًا للحرية والتحرير. تأتى الذكرى ليؤكد أبناء الجهاد أنهم مازالوا وسيبقون يحافظون على الفكرة، أمناء وأوفياء لدماء الشهداء، لم يغيروا ولم يبدلوا، ولم تنحرف بوصلتهم عن القدس.
فالحركة التي أسسها الرعيل الأول من المجاهدين الصادقين الأوفياء بقيادة المفكر فتحي الشقاقي، والذين كان لهم السبق والفضل الكبير والعظيم بالحفاظ على الفكرة ودم الشهداء، ودفعوا من أجل ذلك كل غال ونفيس من أعمارهم ودمائهم وأشلائهم؛ لتنطلق الحركة نحو مرادها ودورها الحقيقي فى ميدان التحدي والمواجهة، حيث شكل حضور الجهاد الإسلامي الثوري القوى والبارز نقلة نوعية فى تاريخ الصراع وأدبيات وتاريخ الحركة الإسلامية فى فلسطين وخارجها.
حيث كانت الساحة الفلسطينية تعج وتمتلأ بالأفكار الأخرى غير الحركة الإسلامية، وإن غياب الأخيرة عن دورها الرائد نحو واجبها المقدس كفريضة ضرورية للدفاع عن المقدسات ومواجهة المحتل الذى سرق وأغتصب أرضنا وأقصانا دفع بالجهاد الإسلامي للانتقال من طور الفكرة النظرية إلى طور التطبيق على أرض الواقع، باستخدام لغة الحراب والبندقية كوسيلة للمواجهة والاشتباك الفاعل والمؤثر ضد العدو الصهيوني كعنوان للمرحلة، ومنطلقٍ جديدٍ على الساحة الفلسطينية فى مواجهة العدو الصهيوني؛ لذلك فإن وجود الجهاد الإسلامي فى ميدان المواجهة ممثلاً عن الحركة الإسلام كان ضرورة دينية ووطنية وواقعية؛ لتعطى ساحة المواجهة زخماً كبيراً ودافعاً قوياً وإضافياً إلى جانب العمل الوطني المقاوم المتمثل بالفصائل المقاتلة الأخرى.
وإن من أهم ما يميز حركة الجهاد الإسلامي وفكرها المقاوم هو الخاصية الفكرية الديناميكية لديها، وكذلك دورها الاستنهاضي للأمة، وفهمها العميق لطبيعة الصراع الحقيقي ولدور الاستعمار الغربي فيه، وإن هذا الوعي شكل حالة فريدة تجتمع فيه كل عوامل الفكر المقاوم في بوتقة واحدة: الإسلام، وفلسطين، والبندقية.
وتكمن أهمية هذا الفكر بقدرته على التكيف مع الواقع الذى انطلق منه، بعيدًا عن أي انحراف خلال مسيرته الجهادية في بوصلته الفكرية المقاومة، فضلًا عن تميزها بالسعي الدائم بالحفاظ على وحدة شعبها، وتحريم الدم والإنسان الفلسطيني حرمة قاطعة؛ لتسجل بأسمى أوسمة الشرف والفخر تاريخها الناصع التليد بمقاومة الاحتلال فقط.
إذن، فنحن أمام منظومة متقدمة ومتكاملة فكرياً وجهادياً على قاعدة الإيمان الوعى والثورة، تجيد فن إدارة الصراع والمقاومة فى فلسطين ضد العدو الصهيوني على أسس واعية مدركة لماهية الصراع إدراكاً شاملاً، متمثلاً بفهم جذور المشكلة الاستعمارية وأدواتها العاملة فى المنطقة نيابة عنه، وهذا السبق الفكري هو ما أوصل حركة الجهاد الإسلامي إلى هذا التميز في الطرح الفكري المتقدم من خلال تبنيها لحقيقة أن القضية الفلسطينية هي القضية المركزية وجوهر الصراع الكوني، وهذا ما أثبتته الوقائع على الأرض، فإنه كلما تألمت واستنزفت (إسرائيل) من ضربات المقاومة، كلما تأثر العالم المساند والداعم لها، خشية منه على مشروعه الاستعماري في المنطقة.
ومن أجل تلك المعطيات الهامة في جوهر الصراع جاءت الاستجابة العملية السريعة والفاعلة من الحركة بضرورة بدء العمل المقاوم، دون النظر لقلة الإمكانيات التي ربما ستكون عائقًا فى المواجهة والاشتباك الحقيقي مع الاحتلال، فرفعت شعارها: “الدم الذى سيهزم السيف”، و”الكف الذى سيواجه المخرز”؛ فكان لهذه الانطلاقة القوية والجريئة أعظم الأثر في تشكيل حالة من الذعر والقلق لدى جيش الاحتلال فى قطاع غزة، فالعدو لم يشهد مثيلًا لهذه العمليات الجريئة والنوعية في عقر داره.
كان لهذه العمليات التي نفذت على أيدى أبطال الجهاد الإسلامي فى القدس بالقرب من باب المغاربة، وفى غزة بالقنابل اليدوية، أعظم تأثير لهذا الفكر على ساحات الوطن المختلفة، حيث أسفر عن هذه العمليات الكثير من الإصابات فى صفوف جيش العدو؛ ليدخل بعدها الجهاد ساحة المقاومة بقوة ملفتة ومقلقة، أثارت دهشة وخشية الاحتلال وأجهزته الأمنية حينها.
كان لبروز حركة إسلامية تحمل أفكارًا تدعو فيها لزوال ما يسمى دولة إسرائيل، وتتخذ من البندقية وسيلة للمقاومة والتحرير الأثر الكبير في استمرار حالة المقاومة والمشاغلة للعدو، حتى بات الاحتلال يحسب ألف حساب لهذه الظاهرة المميزة فى العمل النوعي ضد جيشه ومخابراته، وصولاً إلى عملية الهروب الكبيرة التي نفذها أبناء الجهاد الستة من سجن غزة المركزي الذين وهبوا أرواحهم رخيصة لله، وأصروا على مواصلة الجهاد والمقاومة حتى بعد عملية انتزاعهم للحرية، فقاموا بتنفيذ العديد من العمليات التي نتج عنها مقتل وإصابة العديد من الجنود وضباط المخابرات الصهيونية، والتي كان من أهمها عملية الشجاعة البطولية التي ولدت لدى الجماهير الفلسطينية إصرارًا و جرأة واضحة فى غزة وفى كل أرجاء أراضينا المحتلة، مشكلة بذلك حالة من الثورة والغليان الوطني، حيث كانت بمثابة الرافعة الوطنية، والشعلة التي تفجرت من خلالها الانتفاضة الشعبية الأولى عام ١٩٨٧م؛ فكان لدماء الشهداء الطاهرة الدافع الحقيقي وراء التحرك نحو المواجهة والاشتباك المباشر الذى لم يشهده العدو من قبل.
تأتى ذكرى الانطلاقة (35) وقد بات الجهاد الإسلامي أكثر قدرة على مواجهة التحديات التي تعصف بالقضية الفلسطينية، وأصبحت الجماهير تلتف حوله أكثر من ذي قبل، وذلك لما لمسوه منه من التمسك بالمبادئ والثوابت الفكرية والوطنية، وصون للدم الفلسطيني، وطهارة للبندقية.