بدأت السياحة الفضائية برحلة رجل الأعمال الأمريكي دينيس تيتو عام 2001 على متن المركبة الفضائية الروسية “سويوز تي إم – 32”. دفع تيتو ثمنا للرحلة الفضائية 20 مليون دولار.
لم يكن الأمر سهلا، ولم يجلس تيتو في مقعده على صاروخ الانطلاق بالطريقة المعتادة لركوب الطائرات. استغرقت التحضيرات للرحلة إلى محطة الفضاء الدولية ثمانية أشهر وشملت فحوصات طبية وتمارين بدنية ودروسا لاكتساب مهارات تحكم فنية أخرى.
حين وصل السائح إلى محطة الفضاء الدولية شارك في نقل المواد المرسلة إليها، ثم تفرغ بالاستماع للموسيقى وتدوين مذكراته والتقاط صور ومقاطع فيديو للأرض.
دار دينيس تيتو وكان يبلغ من العمر وقتها 60 عاما في رحلته الفضائية التي استمرت 7 أيام و22 ساعة و4 دقائق، حول الأرض 128 مرة، ما يعني أنه دفع مقابل كل دورة 150.000 دولار.
لم تكن الرحلة سهلة ومن دون متاعب. عانى رجل الأعمال الأمريكي من مشاكل في القلب أثناء الإقلاع إلى الفضاء. وفي المدار ارتطم رأسه بباب المركبة الفضائية.
منذ ذلك الوقت تطورت السياحة الفضائية بمشاركة شركات فضاء خاصة، وزار هذا الفضاء البعيد حتى سبتمبر 2025 في المجموع 62 سائحا. شمل هذا العدد أولئك الذين شاركوا في رحلات مدارية وأخرى شبه مدارية، ومعظم السياح كانوا رجال أعمال وأثرياء قاموا بتمويل رحلاتهم بأنفسهم.
السياحة الفضائية في العموم ليست نزهة ممتعة تماما بل هي مغامرة محفوفة بالمخاطر والمتاعب. رواد فضاء كبار لفتوا إلى أن بعض السياح سيصابون بخيبة أمل كبيرة مما سيجدونه في الفضاء. سيصاب بخيبة أولئك الذين يعتقدون أنهم سيجدون أنفسهم في ظروف مشابهة لما يُعرض في الأفلام السينمائية. أبواب زجاجية ومساحات واسعة وراحة تامة.
الأمر مختلف تماما. محطة الفضاء الدولية مساحة صغيرة مغلقة، وهي لا تصلح بتاتا لمن يعاني من رهاب الأماكن المغلقة.
علاوة على ذلك، تحذر عالمة النفس الروسية إيكاترينا روبليفا من أنه “ذا بقيت في الفضاء لفترة طويلة، فقد تعاني من حالة من الاكتئاب. يحدث ذلك بسبب غياب الشمس والتعرض المستمر للظلام والأماكن الضيقة. لذلك يجب بالطبع أن نستعد لذلك”.
السائح ريتشارد غاريوت الذي زار الفضاء عام 2008، يكشف جوانب أخرى من ظروف الحياة في محطة الفضاء الدولية: “لا يوجد دش أو حوض استحمام في الفضاء. لتنظيف أسناني، كان علي أن أبصق الماء في كيس خاص حتى لا يتناثر. لكن أسوأ شيء هو المرحاض. على الأرض، تساعد الجاذبية السوائل في الوصول إلى المكان المناسب بالضبط. في الفضاء، من الصعب جدا فصل السوائل بطريقة لا تسبب فوضى. أعلم أنه تم استثمار ملايين الدولارات في مراحيض الفضاء، وقد رأيت ناسا تبتكر في هذا المجال، لكنها لا تزال بعيدة جدا عن الراحة”.
يقول الخبراء أيضا إن تفاصيل الحياة اليومية في محطة الفضاء الدولية ليست لضعاف القلوب. من ذلك أن النهار والليل لا يتحددان بشروق الشمس وغروبها، لأن الشمس تشرق وتغرب هناك 16 مرة في اليوم. يعيش رواد وزوار الفضاء في محطة الفضاء الدولية بتوقيت غرينتش. الاستيقاظ في السادسة صباحا، وإطفاء الأنوار استعدادا للنوم في الساعة 21:30.
تلفت في هذا الشأن عالمة النفس إيكاترينا روبليفا قائلة: “في الفضاء، لا بد من وجود جدول زمني للعيش، فلا شروق ولا غروب للشمس؛ بل المنظر من النافذة هو نفسه دائما”.
بالنسبة لطعام الفضاء، فهو في علب أو أكياس. كل شيء مجفف بالتجميد. النظام الغذائي متوازن بعناية، والقائمة متنوعة جدا، وتضم عصيدة وكرات لحم، وشرائح ولفائف والعديد من الأطباق الأخرى. يوجد أكثر من 100 عنصر في المجموع.
ماذا لو أراد السائح حمل طعامه المفضل إلى الفضاء؟ إذا رغب السائح مثلا أخذ أكلة شهية وطنية معه فمن الضروري أن يحصل على إذن ولكن مقابل رسوم. كما سيتم إعادة تعبئة المنتج وفحصه للتأكد من سلامته. لكن تُحظر مثلا الأطباق ذات الروائح النفاذة. على ارتفاع 400 كيلومتر، لن يكون من الممكن تهوية الغرفة.
أكبر مصدر إزعاج في المدار هو الفتات التي يتبقى بعد الأكل. ينتشر ثم يطير في أرجاء المكان. يمكنه أن يتطاير ويصل إلى الحلق والعين. لكنه لا يصل إلى الأسرة، إذ ينام رواد الفضاء معلقين على أراجيح.