أعدّ الباحثان الكبيران في معهد أبحاث “الأمن القومي”، أودي ديكل، ويوئال غوجنسكي، دراسةً تناولت معضلة التطبيع الإسرائيلي – السعودي، الذي يتعرقل منذ بداية ملحمة “طوفان الأقصى”.
وذكر الباحثان أنّ “إسرائيل” وصلت، بعد 6 أشهر من القتال، إلى مفصل اتخاذ قرار استراتيجي، إذ بات مطلوباً منها أن تجمع بين إبرام اتفاق تطبيع مع السعودية، وإنهاء الحرب في قطاع غزة، (مع ما يتضمن ذلك من إعادة إعمار لقطاع غزة وضمان استقراره)، والدفع في اتجاه حل سياسي للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، لكي لا تُفوت فرصة فريدة، للاستفادة من العلاقات مع السعودية والولايات المتحدة الأميركية.
“إسرائيل” تريد من السعودية المشاركة في إدارة قطاع غزة وإعادة إعماره
وأشار الباحثان ديكل وغوجنسكي إلى أنّ “إسرائيل” لها مصلحة كبيرة في التوصل إلى اتفاق تطبيع مع السعودية يتضمن مشاركة سعودية في الساحة الفلسطينية، لا سيما في إدارة قطاع غزة وإعادة تأهيله بعد الحرب.
وأضاف الباحثان في دراستهما أنّه على الرغم من استمرار الحرب بين “إسرائيل” وحماس، لم تتوقف الاتصالات السياسية الهادفة إلى تعزيز التطبيع بين “إسرائيل” والسعودية، إذ عملت الإدارة الأميركية على إطلاق العملية، التي بادرت حماس إلى نسفها في عملية “طوفان الأقصى” في السابع من تشرين الأوّل/أكتوبر المنصرم.
وسبب ذلك هو أنّ الدوافع الأميركية والسعودية لم تتغير بعد هذه المدة، فالدولتان تسعيان إلى إنشاء نظام إقليمي جديد تحت قيادة واشنطن، في مواجهة إيران. وقد صاغت الإدارة الأميركية الحالية “عقيدة” لمنطقة الشرق الأوسط، تشمل عدة مسارات وهي: كبح نشاط إيران في المنطقة، الدفع نحو إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح في الضفة الغربية وقطاع غزة، إنشاء تحالف أمني موسع مع السعودية، يشمل حكماً تطبيعاً إسرائيلياً – سعودياً، وتعزيز التنمية الاقتصادية والازدهار في منطقة الشرق الأوسط.
ولفت الباحثان إلى وجود عقبة أمام السعودية للمضي في مسار التطبيع مع “إسرائيل”، هو أنّ عملية “طوفان الأقصى” أكّدت للعائلة المالكة في السعودية أنّ المشكلة الفلسطينية ليست ثانوية، ولا يمكن احتواء وجودها أو تجاهله، لذلك، تسعى السعودية جاهدة إلى النأي بنفسها عن التماهي مع “إسرائيل”، وتظهر تضامناً متزايداً مع الفلسطينيين، وبالتالي ترفع “الثمن” الذي تطلبه من “إسرائيل”.
وفي هذا السياق، رأى الباحثان أنّ إحدى نتائج الحرب الحالية هو “ارتفاع ثمن” التطبيع مع السعودية بالنسبة إلى “إسرائيل” في الساحة الفلسطينية، وهو ما ترفض الحكومة الإسرائيلية دفعه (حتى الآن).
90% من المواطنين الخليجيين يعارضون التطبيع مع “إسرائيل”
أشار الباحثان ديكل وغوجنسكي إلى أنّ الثمن الذي يتعيّن على السعودية “دفعه” مقابل التطبيع مع “إسرائيل” ازداد (بعد عملية طوفان الأقصى)، إذ صار مطلوباً الآن منها، إظهار انخراط أكبر في الساحة الفلسطينية، عبر المساهمة الفعالة في إعادة إعمار قطاع غزة (وإدارته)؛ والتعامل مع موقف الجماهير في الدول العربية الذي يتصلب ضد “إسرائيل” منذ بدء الحرب.
على سبيل المثال، سيتوجب على السعودية التعاطي مع أكثر من 90% من المواطنين الخليجيين، بمن فيهم سعوديون، “يعارضون التطبيع مع إسرائيل”. وفي هذا السياق، حذر الباحثان من أنّ الفجوة بين سياسات الأنظمة الخليجية ومواقف مواطنيها آخذة في الاتساع، لا سيما في الموضوع الفلسطيني.
وأشار الباحثان إلى أنّه على خلفية الحرب في قطاع غزة ونتائجها، طرأت تغيرات على شروط الطرفين (الإسرائيلي والسعودي)، للتوقيع على اتفاق تطبيع فيما بينهما، إذ تصر السعودية الآن (أكثر من قبل) على التوقيع مع الولايات المتحدة الأميركية على اتفاقيات دفاعية “في مواجهة إيران”؛ وعلى الحصول منها على مساعدة (وموافقة) على إنشاء بنية تحتية نووية مدنية، من دون اعتراض إسرائيلي. كما تريد السعودية أيضاً أن تحصل من “إسرائيل” على تعهد بالمضي في تعزيز حل الدولتين، وإنشاء سلطة فلسطينية “متجددة”.
أما “إسرائيل”، فتتوقع، وفقاً للباحثين، أن توافق السعودية على “تشكيل” – أو على الأقل المشاركة في – قوة عمل عربية لتُدير قطاع غزة، وتُعيد تأهيله؛ وأن توافق أيضاً على المساهمة في إيجاد قيادة فلسطينية جديدة ومعتدلة، تكون قادرة على تولي مسؤولية إدارة قطاع غزة، بدعم سعودي.
عملية “طوفان الأقصى” رفعت كلفة التطبيع مع “إسرائيل” عربياً
وحذر الباحثان ديكل وغوجنسكي من أنّ معيار “الكلفة والجدوى” لتطبيع الأنظمة العربية مع “إسرائيل” آخذ في التغيير، منذ بداية حرب “طوفان الأقصى”، لأنّ “إسرائيل، من وجهة نظر الأنظمة العربية، ليس فقط لم تهزم حماس بعد، التي يكرهونها”، بل إنّ مشاهد الدمار والقتل في قطاع غزة تهدد باضطرابات بين الجماهير في البلدان العربية المُطبعة أو الساعية للتطبيع مع “إسرائيل”.
لذلك، فإنّ السعودية، وباقي الدول العربية “المعتدلة”، تُفضّل، في هذه الفترة، عدم التورط في الترويج لتسوية في قطاع غزة من شأنها أن تضع حداً للحرب، لأنّ ذلك يتطلب من هذه الأنظمة المشاركة النشطة في الحل، كأن يكون لها دور في قوة عمل عربية لإدارة قطاع غزة، وإعادة إعماره.
وفي نهاية دراستهما، حذر الباحثان ديكل وغوجنسكي، من أنّ تعنت “إسرائيل” ورفضها تحديد أفق سياسي للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، أو السماح باندماج مشروط وتدريجي للسلطة الفلسطينية في إدارة قطاع غزة، سيؤديان إلى إبعاد الاتفاق الإسرائيلي – السعودي أكثر، وقد يؤدي ذلك أيضاً إلى تحسن العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية تدريجياً، من دون ربط ذلك بالتطبيع السعودي – الإسرائيلي . ونتيجةً لذلك، ستضيع فرصتان استراتيجيتان من أيدي “إسرائيل” وهما تشكيل مجموعة قوى إقليمية بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، تضم السعودية ضد إيران و”محور المقاومة”، ومشاركة دول “الاعتدال” (العربي)، بما فيها السعودية، في تعزيز السلطة الفلسطينية وتحقيق الاستقرار في قطاع غزة، وإعادة بنائه.
وحذّر الباحثان أيضاً من أنّ “إسرائيل” ستُفوت فرصة التطبيع مع العالمين العربي والإسلامي، وستخسر “مصمماً استراتيجياً” متاحاً هو تطبيع وتكامل مع دول الإقليم، والذي سيكون بمنزلة رد مناسب على حماس وإيران، اللتين عملتا على “عرقلة عملية التقارب” والتطبيع بين “إسرائيل” والدول العربية (وتحديداً السعودية).
وأضاف الباحثان أنّ اتفاق التطبيع الإسرائيلي – السعودي، الذي يُعرقل حالياً، سيمنح “إسرائيل” مكاسب اقتصادية، وسيُحسن شرعيتها في العالمين العربي والإسلامي، يجب على “إسرائيل” أن تتأكد من أنّها لن تتخلى عن هذه الفرصة الذهبية التي ربما تأتي مرة واحدة في العمر، لأنّ “إسرائيل” قد يفوتها قطار التطبيع مع السعودية، وهذا أمر سيئ في جميع المعايير.