google-site-verification=0y7SK1TSqpUjd-0k3R3QUeUDKj-1chg6Il-3Qtn7XUM
وكالة عيون القدس الإخبارية
وكالة عيون القدس الإخبارية

“الخط الأصفر” يزحف غرباً ويبتلع ما تبقى من قطاع غزة

تصاعدت وتيرة التوغل الإسرائيلي في المناطق الشرقية لقطاع غزة خلال الأيام الماضية، وسط عمليات إطلاق نار ونزوح للسكان من تلك المناطق التي صعّد الاحتلال الإسرائيلي فيها الاعتداءات وعمليات النسف. وعمل الاحتلال الإسرائيلي خلال الأيام الثلاثة الأخيرة على نقل المكعبات الصفراء التي تحدد مناطق “الخط الأصفر” وهي المناطق التي يسيطر عليها جيش الاحتلال الإسرائيلي، إلى مناطق قريبة من شارع صلاح الدين.

وفي شرق مدينة غزة، وتحديداً المناطق الشرقية لحي الشجاعية، تقدم الاحتلال الإسرائيلي بصورة كبيرة، في خرق لاتفاق وقف إطلاق النار الذي نص على انسحابات محددة للقوات الإسرائيلية على الأرض في المرحلة الأولى. وتقدم جيش الاحتلال في منطقة الشعف والنزاز وشارع بغداد، شرقي الشجاعية، ووسع امتداد “الخط الأصفر” وعمد إلى قضم المزيد من أراضي تلك المنطقة، فضلاً عن استهداف السكان في تلك المنطقة وإجبارهم على النزوح.

بالتوازي مع ذلك، شهدت المناطق الجنوبية الشرقية لخانيونس والمناطق الشرقية للمدينة عمليات تقدم برية إسرائيلية مشابهة بشكل صامت، حيث اقتربت قوات الاحتلال لمسافة 150 متراً فقط من شارع صلاح الدين. ووسط قطاع غزة وسع الاحتلال الإسرائيلي “الخط الأصفر” في مخيم البريج والمغازي بمسافة تراوح ما بين 400 و450 متراً عن الشريط السابق، وسط تتابع عمليات القصف التي تجري بشكل يومي.

رامي أبو زبيدة: تقدم جيش الاحتلال يجري وفق سياسة زاحفة ومدروسة

وبموجب خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لوقف إطلاق النار تم رسم “الخط الأصفر” الذي يقضم حالياً 52% من مساحة قطاع غزة، إلا أن الاحتلال الإسرائيلي، وبعمليات التوسع الصامت، يعمل حالياً على زيادة مساحة الضم بشكل غير معلن. وكثف أخيراً عمليات القصف والنسف في تلك المنطقة، حيث تسمع هذه الانفجارات بشكل مكثف في أوقات الليل المتأخرة وساعات الفجر في مناطق شرق حي الشجاعية والزيتون، وشرق خانيونس، جنوبي القطاع. ووفقاً لتقرير ميداني سابق لحركة حماس وثق الانتهاكات الإسرائيلية، فإنه منذ بداية وقف إطلاق النار، في العاشر من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، فإنه بالإضافة إلى ما يجري داخل “الخط الأصفر” فإن التجاوزات امتدت لتغطي مساحة تتجاوز 35 كيلومتراً، في شريط يمتد على طول “الخط الأصفر” شمالاً وشرقاً وجنوباً بمسافات تراوح ما بين 600 و1500 متر داخل المناطق الصفراء.

سياسة زاحفة

وقال الباحث والمختص في الشأن العسكري رامي أبو زبيدة إن التقدم الذي ينفذه جيش الاحتلال شرق مدينة غزة، ضمن ما يُعرف بـ”الخط الأصفر”، يجري وفق سياسة زاحفة ومدروسة تقوم على التحرك خطوة بخطوة، دون إعلان رسمي عن تغيير في خطوط الانتشار. وأكد أبو زبيدة، لـ”العربي الجديد”، أن هذا الأسلوب ليس عملاً عابراً أو تكتيكاً ميدانياً مؤقتاً، بل يعكس نهجاً عسكرياً ممنهجاً يهدف إلى فرض وقائع جديدة على الأرض تحت غطاء وقف إطلاق النار، موضحاً أن الاحتلال يسعى إلى تحويل الخطوط الحالية إلى حدود تشغيلية ثابتة، تمنحه أفضلية في المراقبة والسيطرة، وتُبقي قواته في وضعية هجومية دون الانزلاق إلى حرب مفتوحة.

دفع “الخط الأصفر” غرباً

وأضاف أن الهدف من دفع “الخط الأصفر” غرباً هو توسيع الحزام الأمني داخل غزة، بحيث تصبح هناك مساحات واسعة مفتوحة وخالية من السكان تُستخدم بوصفها مناطق فصل ورصد مبكر، مبيناً أن هذه المناطق تتيح للجيش الإسرائيلي التموضع وتشغيل وحدات الاستطلاع والهندسة وتنفيذ ضربات عند الحاجة، من دون مواجهة مباشرة مع خلايا المقاومة.

ولفت الباحث والمختص في الشأن العسكري إلى أن التقدم الحالي “يمنح الاحتلال قدرة أكبر على عزل الأحياء الشرقية لمدينة غزة، ويُبقي الضغط مستمراً على البنية المدنية والاقتصادية، ما يجعل الأرض ورقة ضغط في أي مسار سياسي أو تفاوضي مقبل”. واعتبر أن ما يجري “لا يُعد تقدماً ميدانياً محدوداً، بل محاولة لإعادة ترسيم خريطة القطاع ميدانياً”، محذراً من تداعيات متعددة، أبرزها تهجير مئات العائلات من المناطق التي يتقدم فيها الاحتلال، وهو ما يفاقم الأزمة الإنسانية والخدماتية. وبحسب أبو زبيدة، فإن توسيع “الخط الأصفر” يعني عملياً “دخول غزة في مرحلة احتلال جزئي ممتد، تُدار فيها مناطق كاملة كأحزمة أمنية مغلقة يمنع السكان من العودة إليها، وهو ما يعتبر خرقاً واضحاً لاتفاق وقف إطلاق النار، وقد يدفع نحو توتر أمني أكبر إذا واصل الاحتلال سياسة القضم البطيء”.

ترسيخ أمر واقع

إلى ذلك، قال الكاتب والمحلل السياسي إياد القرا إن ما يجري شرق قطاع غزة وما يُعرف بالمناطق “الصفراء” يعكس محاولة إسرائيلية واضحة لترسيخ أمر واقع جديد، يقوم على توسيع السيطرة العسكرية، وتدمير مناطق واسعة شرق شارع صلاح الدين، تمهيداً لتحويلها إلى مساحات خاضعة للإدارة الإسرائيلية المباشرة. وأوضح القرا، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن الاحتلال يعتمد في هذه المرحلة على قاعدة “اليد العليا”، عبر الجمع بين التمدد الميداني والسيطرة على المناطق المفتوحة شرق القطاع، وبين استمرار القصف في مناطق أخرى، بما يبقي إسرائيل الطرف المهيمن في كل مسارات ما بعد الحرب في غزة.

وأضاف أن هذا السلوك يرافقه ضغط هائل على السكان الفلسطينيين، وخاصة النازحين الذين يحاولون العودة إلى مناطقهم دون وجود رؤية واضحة أو موقف أميركي ثابت تجاه المرحلة الثانية، مشيراً إلى أن الاحتلال يسعى إلى جعل المناطق المدمرة في الشرق نموذجاً لإعادة الإعمار بشروطه، ليُظهر نفسه طرفاً قادراً على “إدارة” القطاع أو جزء منه، في مقابل شيطنة المناطق الأخرى داخل غزة وإظهار أنها “متمردة” أو “مأوى للإرهاب”، في إطار دعاية سياسية وأمنية مدعومة أميركياً.

ووفقاً للكاتب والمحلل السياسي، فإن هذا التوجه يحمل مخاطر استراتيجية خطيرة، إذ يدفع نحو تقسيم قطاع غزة إلى شرق يخضع لسيطرة إسرائيل المباشرة أو عبر أطراف محلية ودولية، مع مشاريع إعمار محدودة وشكلية، وغرب يُراد تصويره بأنه منطقة خارجة عن السيطرة. واعتبر أن هذا المفهوم يُعيد طرح فكرة “غزة الجديدة”، بوصفها مشروعاً يحمل صبغة عنصرية تهدف لشيطنة الفلسطينيين وتفتيت نسيج القطاع، لافتاً إلى أن غياب الوضوح في الموقف الأميركي من “المرحلة الثانية” يعمق الأزمة لدى السكان، خصوصاً الراغبين بالعودة إلى المناطق المدمرة في الشجاعية وبيت لاهيا وبيت حانون وشرق خانيونس ورفح. ورأى أن الاحتلال، قبل الدخول في أي ترتيبات جديدة، يسعى إلى إكمال سيطرته الكاملة على هذه المناطق ومسحها تماماً، بما يحولها إلى أراضٍ خالية من السكان والبنية التحتية، ليتم لاحقاً تسليمها، إن حدث ذلك، لأي جهة دولية باعتبارها أرضاً فارغة جاهزة لتجارب إعادة الإعمار.

Leave A Reply

Your email address will not be published.