يتسبب تواصل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في خسارة الفلسطينيين مختلف المواسم الزراعية، والتي يعتمد عليها المزارعون في توفير السلة الغذائية للمواطنين، نتيجة القصف المباشر، والذي أثّر على الغطاء النباتي وجودة التربة، والبنية التحتية الضرورية للأنشطة الزراعية المختلفة.
وتتعدد التحديات التي تواجه القطاع الزراعي منذ بدء الحرب في السابع من أكتوبر الماضي، سواء عبر قطع الماء، أو الكهرباء التي يتم من خلالها تشغيل الآبار وخطوط مياه الري، أو من خلال القصف الإسرائيلي المتواصل للأراضي الزراعية وتدمير محاصيلها، علاوة على الاجتياح البري والذي تسبب بتجريف آلاف الدونمات المثمرة على طول الشريط الشرقي، وتسميم التربة، كذلك عدم قدرة المزارعين على الوصول إلى أراضيهم ورعايتها جراء الخطر الشديد بفعل استهداف قوات الاحتلال لكل متحرك.
وتتيح المساحات الزراعية المحدودة، والتي تتركز في المناطق الشرقية لقطاع غزة، كذلك شمال القطاع وجنوبه وتقدر مساحتها بنحو 151 كيلومتراً مربعاً من الأراضي الزراعية، أي ما يشكل حوالي 41% من أراضي القطاع، العديد من المحاصيل الموسمية السنوية كالزيتون والبلح والحمضيات واللوزيات وأصناف الفواكه، إلى جانب العديد من الشتول الحقلية والخضروات، والتي تشكل بمجموعها السلة الغذائية الخاصة بالفلسطينيين في غزة.
ولم يكن العدوان الإسرائيلي أول الأسباب التي أدت إلى تدهور الواقع الزراعي، فقد سبقه حصار إسرائيلي مشدد منذ ثمانية عشر عاماً، منع الاحتلال على أثره دخول المعدات الخاصة بتحسين ذلك الواقع وأصناف الأسمدة والأدوية والمبيدات الحشرية، إلى جانب الآثار السلبية الخاصة بمنع تصدير تلك المنتجات، والتي تسببت بخسارة العديد من المزارعين وتلف نسبة من المحاصيل الزراعية.
ويحرم تدمير المحاصيل الزراعية السنوية الفلسطينيين من أصناف الخضار والفواكه والحمضيات والشتول الخضراء، والتي ارتفعت أسعارها في ظل النقص الشديد إلى عشرات الأضعاف، في الوقت الذي يعاني فيه أهالي قطاع غزة من سياسة التجويع الإسرائيلية المتزامنة مع الأوضاع الاقتصادية المتردية وانعدام مصادر الدخل وضعف القدرة الشرائية.
يقول المزارع الفلسطيني أشرف عبد الكريم، ويمتلك أراضي زراعية شرق حي الشجاعية شرقي مدينة غزة، إنه لم يتمكن من الوصول إلى أرضه منذ الشهر الأول للعدوان، والعناية بأشجار الحمضيات والشتول الخاصة ببعض أصناف الخضار كالطماطم والخيار والباذنجان والبطاطس، الأمر الذي أدى إلى تلفها.
ويوضح عبد الكريم، أن خسارته لم تتوقف عند هذا الحد، حيث اضطر للنزوح مع عائلته عدة مرات وصولاً إلى مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، مع بدء الاجتياح البري، والذي شهد تجريف وتدمير كل الأشجار والمعدات الزراعية، كذلك شبكات الري والشتول الصغيرة.
ويلفت عبد الكريم إلى أن تدمير معظم الأراضي والمحاصيل الزراعية والخضروات، في الوقت الذي ينتشر فيه الجوع والنقص والحرمان جراء إغلاق المعابر ومنع دخول المواد الغذائية، يعتبر من أشد أنواع التعذيب والعقاب الجماعي، في ظل تواصل حرب الإبادة والمجازر التي أدت إلى استشهاد وفقدان وإصابة ما يزيد عن 140 ألف فلسطيني.
وإلى جانب الخسارة المباشرة للمزارعين، والتي تمثلت في خراب وتدمير واسع النطاق لمحاصيلهم ومواسمهم الزراعية، فقد تسبب القصف المتواصل وغير المتوقف على الأراضي الزراعية بتلوث التربة بفعل مخلفات الصواريخ والقنابل السامة، والتي أدت إلى حالة من التعرية والتصحر التي حولت الأراضي الخصبة والخضراء إلى أراض قاحلة.
وأظهرت صور الأقمار الصناعية مؤخراً أضراراً جسيمة أصابت نحو 80% من الأراضي الزراعية ومزارع الأبقار والعجول والماشية بسبب القصف المباشر، أو الخطر المحدق وعدم قدرة المزارعين على الوصول لأراضيهم.
ولا يختلف المزارع الفلسطيني هيثم عيد عن سابقه، حيث خسر عشرات أشجار الزيتون التي كان يعتني بها تجهيزاً لموسم الزيتون خلال شهري أكتوبر، ونوفمبر/ تشرين الثاني، إلى جانب تدمير كروم العنب في شارع 10 بمنطقة تل الهوى جنوبي مدينة غزة.
ويقول عيد: “كنت أعتني بالأشجار تمام الرعاية على أمل تعويض الخسائر التي منيت بها جراء التأثيرات الاقتصادية السلبية للحصار الإسرائيلي، والتغييرات المناخية التي تسببت كذلك بضعف المحصول في السنوات الأخيرة، لكن كل شيء راح ولم يعد موجوداً”.
ويوضح أنّ القطاع الزراعي يتعرض كل عدوان أو حرب أو تصعيد وحتى لو كان محدوداً لخسائر فادحة بسبب تركيز الاحتلال الإسرائيلي على قصف الأراضي الزراعية بما فيها من معدات بسيطة، على الرغم من عدم قدرة المزارعين على توفير بدائل عنها بسبب اغلاق المعابر، إلا أن استهداف الأراضي خلال العدوان الحالي أشد فتكا وشراسة، حيث أدى فعلياً إلى شلل تام في القطاع الزراعي، وخسارة كافة المواسم السنوية أو الشهرية، وربما ستستمر هذه الخسارة لسنوات قادمة طويلة.
ووفق الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فإن القطاع الزراعي يمثل أحد أهم مكونات الناتج المحلي الإجمالي في قطاع غزة، عبر مساهمته في توفير فرص العمل، وقد بلغت نسبة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي نحو 11% للعام 2022 وهو العام الذي قدرت فيه القيمة المضافة للنشاط الزراعي بنحو 343 مليون دولار.
في الإطار ذاته أوضح المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، في بيان سابق أن الاحتلال الإسرائيلي خلال العدوان أخرج نحو 75% من مساحة الأراضي الزراعية عن الخدمة في قطاع غزة، سواء من خلال تدميرها أو قصفها أو عزلها تمهيداً لضمها للمناطق العازلة على نحو غير قانوني، كما عملت قوات الاحتلال خلال الحرب على تدمير واسع النطاق للأراضي الزراعية ومزارع المواشي والطيور ما ساهم بتكريس المجاعة كسلاح حرب.
وأظهر بيان المرصد أن قوات الاحتلال الإسرائيلي جرفت ودمرت جميع الأراضي الزراعية على طول السياج الأمني الفاصل شرقي قطاع غزة، كذلك شمال القطاع بعمق يصل لقرابة كيلومترين، حيث جرفت ما نسبته 96 كيلومتراً مربعاً في مسعى لضمها للمناطق العازلة، إلى جانب قرابة ثلاثة كيلومترات مربعة ناتجة من شق محور نتساريم الذي يفصل شمال قطاع غزة عن جنوبه، فيما يؤوي ما تبقى من الأراضي الزراعية ومعظمها في منطقة المواصي عشرات آلاف النازحين قسراً.