تأسست حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين على مفاهيم وحدة الأمة، وفلسطين هي القضية المركزية لها، والجهاد هو سبيلها، رأت في الإسلام مصدر قوتها وعزمها، وسر تميز هويتها بين الأمم، فكان ميدان عملها فلسطين، وأبقت جذوة الصراع مشتعلة مع من سلب الأرض، وقتل البشر والحجر، وهجر الفلسطينيين من قراهم ومدنهم.
فمنذ تأسيس حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين على يد الدكتور المؤسس الشهيد فتحي الشقاقي مطلع الثمانينات من القرن الماضي، حملت شعار الواجب فوق الإمكان، وفلسطين من النهر إلى البحر أرض إسلامية عربية يحرُم شرعاً التفريط في أي شبر منها، والكيان الصهيوني وجوده باطل يحرُم شرعاً الاعتراف به على أي جزء من فلسطين، لأنه رأس الحربة للمشروع الاستعماري.
واعتبرت حركة الجهاد الإسلامي منذ التأسيس، الجماهير الإسلامية والعربية هي العمق الحقيقي لشعبنا في جهاده ضد الكيان الصهيوني، وأن وحدة القوى الإسلامية والوطنية على الساحة الفلسطينية شرط أساسي؛ لاستمرار وصلابة مشروع الأمة الجهادي ضد العدو الصهيوني، فيما عدّت كافة مشاريع التسوية التي تقر الاعتراف بالوجود الصهيوني في فلسطين أو التنازل عن أي حق من حقوق الأمة فيها، باطلة ومرفوضة.
رؤية واضحة
فحركة الجهاد بجناحها العسكري وضعت رؤية واضحة لقضايا الأمة، وحددت مساراتها العسكرية والسياسية في مختلف المراحل الزمنية التي مرت بها القضية الفلسطينية، فحافظت على الثوابت وفرضت معادلات جديدة مع الكيان الصهيوني؛ فزادتها ثباتاً وتطوراً من الناحية العسكرية، التي بدأت من الحجر، والمقلاع، وصولاً إلى الصواريخ والطائرات المُسَيَّرة.
فمنذ التأسيس ما بين عامي (1982م _ 1987م) كانت حركة الجهاد الإسلامي حاضرة في ميدان التضحية والفداء، وبدأت بعمليات طعن الجنود الصهاينة والاشتباك معهم بالحجارة والمقلاع، إلى أن تطور العمل العسكري والقتالي حتى وصل إلى الصاروخ والمُسَيَّرات.
وتطور هذا العمل والاشتباك مع المحتل مع تصاعد وتيرة العدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني، حيث شهدت انتفاضة الحجارة عام 1987م دوراً بارزاً لحركة الجهاد الإسلامي، فتطور العمل إلى عمليات إطلاق النار، وإلقاء القنابل اليدوية على حواجز الاحتلال، وصولاً إلى معركة الشجاعية، وما قبلها، والتي ارتقى فيها ثلة من الشهداء على رأسهم الشهيد القائد مصباح الصوري.
رغم التحديات والملاحقة والمطاردة من قبل العدو الصهيوني للشباب الثائر في حركة الجهاد الإسلامي، إلا أن التصميم على إبقاء جذوة الصراع مشتعلة مع الكيان الصهيوني كانت حاضرة، فشكلت الحركة بشبابها مجموعات عشاق الشهادة في الضفة المحتلة بقيادة الشهيد القائد عصام براهمة، وذلك بين عامي (1990م _ 1992م)، وفي قطاع غزة تم تشكيل مجموعات سيف الإسلام بين عامي (1990م _ 1993م)؛ لتمتاز هذه المرحلة بالعمليات الجهادية المتمثلة بالاشتباك مع الاحتلال بالرصاص والقنابل وعمليات الطعن.
لم يتوقف الأمر هنا، بل انتقل العمل العسكري إلى مرحلة جديدة من مقاومة الاحتلال، فمع تشكيل القوى الإسلامية المجاهدة “قسم” الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين بقيادة الشهيد القائد محمود الخواجا عام 1993م، دخل سلاح السيارات المفخخة والأحزمة الناسفة وتصاعدت العمليات الاستشهادية، التي كان أبرزها: عملية بيت ليد المزدوجة، وعملية “نتساريم”، و”كفار داروم”، وغيرها من العمليات التي أوقعت عشرات القتلى والجرحى في صفوف الجنود الصهاينة في كافة المدن الفلسطينية المحتلة.
في العام 2000م ومع اندلاع انتفاضة الأقصى بعد اقتحام رئيس وزراء الاحتلال الصهيوني آنذاك “آرئيل شارون” باحات المسجد الأقصى، وما تبعها من مواجهات مع قوات الاحتلال، أعلنت حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين تشكيلَ جناحها العسكري سرايا القدس، لتأذن بانطلاق مرحلة جديدة من العمل المقاوم ضد الأهداف الصهيونية في كافة الأراضي المحتلة عام 1948م.
فاستمرت السرايا على نفس النهج، واستمرت العمليات الاستشهادية والفدائية، وصولاً إلى اقتحام المستوطنات في قطاع غزة والضفة المحتلة بعزيمة استشهادِيِّي سرايا القدس، والتي كان أبرزها: عملية زقاق الموت في مدينة الخليل جنوب الضفة المحتلة.
العمل العسكري ومتطلبات المرحلة، حتَّمت على قيادة سرايا القدس الانتقال إلى الأسلحة النوعية الأخرى؛ ليتم إدخال سلاح المدفعية “قذائف الهاون وعملاق السرايا”، وصواريخ قدس، وجراد، بكافة مدياتها الى أرض المعركة؛ لتبدأ مرحلة جديدة أيضاً من استهداف المغتصبات الصهيونية بتلك الصواريخ والقذائف.
استمرت المقاومة واستمر معها تطوير الصواريخ والإمكانيات العسكرية لسرايا القدس، من خلال الدعم المباشر من الجمهورية الإسلامية الإيرانية، حيث تجلى هذا التطور والدعم العسكري في المعارك التي خاضتها سرايا القدس من “بشائر الانتصار مروراً بالسماء الزرقاء، وكسر الصمت، والبنيان المرصوص، وبأس الصادقين، وصيحة الفجر، وصولاً إلى معركة وحدة الساحات، حيث تمكنت سرايا القدس في العام 2012 من قصف مدينة تل أبيب بصاروخ فجر 5 لأول مرة خلال معركة السماء الزرقاء؛ رداً على اغتيال القائد في كتائب القسام أحمد الجعبري.
التطور العسكري استمر رغم الإمكانيات القليلة، وتضييق الخناق على قطاع غزة المحاصر، فتمكنت سرايا القدس من إدخال سلاح الراجمات لأول مرة، واستخدمته في قصف المغتصبات عام 2012م؛ ليتبعه بعد ذلك تصنيع صواريخ براق (70، 100، 120) وقصف المدن المحتلة بتلك الصواريخ ذات القوة التدميرية الكبيرة، التي ضربت أهدافها بدقة، وأوقعت الخسائر في صفوف العدو الصهيوني.
وضمن واجبها الجهادي ونظرتها المستقبلية لتحرير الأسرى وتنفيذ العمليات العسكرية خلف خطوط العدو، أدخلت قيادة سرايا القدس سلاح الأنفاق إلى الخدمة العسكرية، في محاولة لتغيير قواعد المعارك مع العدو الصهيوني، حيث نجحت السرايا في استخدام الأنفاق لتنفيذ العديد من العمليات العسكرية وإطلاق الصواريخ.
تطوَّر العمل مجدداً في ميدان التضحية، فتمكنت السرايا ومن خلال المخلصين من إدخال سلاحي “الكورنيت والمالوتكا” إلى الخدمة العسكرية؛ لصد الاجتياحات الصهيونية والتوغلات على القرى والمدن الفلسطينية، وهذا ما أدى إلى تراجع الاحتلال عن الكثير من عمليات التغول والاجتياحات؛ خوفاً من تلك الصواريخ التي امتلكتها سرايا القدس خلال السنوات الماضية.
ورغم القصف الصهيوني لقطاع غزة، واستهداف مواقع سرايا القدس، إلا أن المجاهدين في وحدة التصنيع الحربي تمكنوا من صناعة صاروخ بدر 3 ذي القوة التدميرية الكبيرة، وإدخاله إلى الخدمة العسكرية وضرب المحتل فيه، ما سبب دماراً هائلاً في مدينة عسقلان المحتلة خلال معركة صيحة الفجر، وسيف القدس، ووحدة الساحات، باعتراف الاحتلال الصهيوني.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل كشفت السرايا وعلى لسان الناطق الرسمي باسمها أبو حمزة، قبل أشهر، عن طائرة جنين المُسَيَّرة بجانب طائرات أخرى لم يتم الكشف عنها، حيث تمكنت السرايا من استهداف الآليات الصهيونية وتجمعات جنود الاحتلال بقنابل ألقتها الطائرات المُسَيَّرة؛ لينتقل الأمر بعد ذلك إلى السماء، ومحاولة استهداف طائرات الاحتلال من خلال السلاح المضاد للطائرات، في رسالة اقتدار أرسلها المجاهدون للعدو والعالم، مفادها أن فلسطين هي حق للفلسطينيين، وسينتزع المجاهدون هذا الحق بالدماء والأرواح.
إذاً، هكذا تطوَّر العمل العسكري لحركة الجهاد الإسلامي من الحجر والسكين، ثم الرصاصة، وصولاً إلى الصاروخ والطائرات المُسَيَّرة؛ ليبقى ما خفي أعظم، وما كشف عنه ما هو إلا قليل من بأس الصادقين، الذي آمنوا بصوابية فكرهم ونهجهم؛ فحملوا أرواحهم على أكفهم؛ فداءً لفلسطين وأهلها، وأبقوا سلاحهم مشرعاً حتى تحرير الأسرى والمسرى من دنس العدو الصهيوني.