متابعات: يتزايد الخطر الصهيوني على المنطقة من يومٍ إلى آخر، في ظل إصرارٍ أمريكي صهيوني على “تغيير وجه المنطقة” تحت مشاريع متعددة أبرزها مشروع “الشرق الأوسط الجديد”.
وخلال الأشهر الماضية، كثرت تصريحات المسؤولين الصهاينة، وفي مقدمتهم المجرم “نتنياهو” حول مسمى “الشرق الأوسط الجديد”، وهو مخطط قديم جديد، يسعى الأمريكيون والصهاينة، إلى تطبيقه على أرض الواقع، بغية الهيمنة المطلقة على المنطقة.
وقبل ساعات من اغتيال الشهيد القائد السيد حسن نصر الله، ألقى نتنياهو خطاباً أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة ليعرض أمام الحاضرين خريطة سماه “الشرق الأوسط الجديد”، مستعرضاً نيته في تقسيم المنطقة إلى محورين (النعمة، النقمة)، ففي محور “النعمة” وفقاً لرؤية نتنياهو، فإن “إسرائيل” ستكون سيدة المنطقة، وإلى جانبها دول ما يسمى “محور الاعتدال”، وقد حدده باللون الأخضر، حيث طمست كل فلسطين منها، في حين أن محور “النقمة” الذي حدده باللون الأسود، يشمل محور المقاومة، من إيران، ولبنان، وسوريه، والعراق، واليمن.
ويؤكد السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي -يحفظه الله- أن نتنياهو قد أعلن بوضوح عن سعيه لتغيير وجه “الشرق الأوسط”، وهو يهدف إلى “تغيير موازين القوى في المنطقة لصالح إسرائيل، والقضاء على حركات المقاومة الفلسطينية، وكذلك على مشروع الدولة الفلسطينية، بالإضافة إلى السيطرة على أنظمة عربية وتجنيد جيوشها لخدمة العدو”.
ويسرد السيد عبد الملك الحوثي الأهداف الخفية لقادة الكيان الصهيوني من الانجرار نحو تطبيق هذا المخطط، فالصهاينة يريدون أن تبقى “إسرائيل” قوة عسكرية مهيمنة في “الشرق الأوسط”، ويسعون إلى استغلال الانقسامات الداخلية في العالم العربي لتفكيك تلك الشعوب وإضعافها، كما يسعون إلى إعادة تعريف قواعد الاشتباك بما يسمح لهم بتوجيه ضربات مؤلمة إلى أي بلد عربي أو إسلامي دون الحاجة إلى حرب”، منبهاً إلى أن العدو الإسرائيلي يسعى إلى أن يكون المسيطر والمهيمن على المنطقة، محاولاً تشكيل نفوذ عالمي يخدم مصالحه، وهو ما يتطلب من الأمة العربية والإسلامية التوحد والتصدي لهذه الأطماع”.
مخطط قديم جديد
طُرِحَ مفهوم “الشرق الأوسط”، وبدأ تداوله السياسي والفكري بكثرة في خمسينيات القرن الماضي، فمنذ توقيع اتفاق كامب ديفيد بين “إسرائيل” ومصر عام 1979م، مروراً بتفاهمات “أوسلو” بين السلطة الفلسطينية و”إسرائيل عام 1993، إلى توقيع اتفاق وادي عربة بين الأردن و”إسرائيل” عام 1994، كانت ديباجة “الشرق الأوسط ” (الجديد أو الكبير) حاضرة في كل هذه الاتفاقيات.
أما في الأدبيات الإسرائيلية، فإن المفهوم ظل حاضراً على امتداد العقود الماضية، بدءاً من كتاب شمعون بيريز “الشرق الأوسط الجديد” 1993م الذي أكد فيه ضرورة إقامة علاقات، يكون عمادها العلاقات الاقتصادية، مع بعض الدول العربية لتحقيق “السلام المزعوم” وقبول “إسرائيل” في المنطقة كما هي دون تغيير.
وفي عام 2006م، ومع العدوان الصهيوني على لبنان قالت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس يومها إن آلام هذه الحرب هي:” الولادة القاسية للشرق الأوسط الجديد”، في تبنٍ واضح لكتاب شمعون بيريز.
وقبل هذا العدوان كانت أمريكا قد تبنت عدة رؤى حول مستقبل المنطقة، منها مشروع “الشرق الأوسط الكبير” الذي أطلق فكرته الرئيس الأمريكي بوش الابن عام 2002م، أو مفهوم “الشرق الأوسط الموسع” الذي تبنته واشنطن خلال عام 2004م.
لكن لفظ “الجديد” ظل بعد ذلك ملحقاً “بالشرق الأوسط” مع كل حدث أو تطور مهم، فعلى سبيل المثال، عندما تم توقيع “اتفاقيات التطبيع” بين الإمارات والبحرين من جهة و الكيان المؤقت “إسرائيل” من جهة أخرى في 15 سبتمبر/ أيلول 2020، ردّد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وصهره جاريد كوشنر الذي كان يشغل منصب كبير مستشاريه عبارة “الشرق الأوسط الجديد” في وصفهما للمشهد الذي سيتشكّل إثر توقيع هذه الاتفاقيات.
ويظل السؤال قائماً: ما هو مخطط الشرق الأوسط الجديد؟ وما خطورته على المنطقة؟
يؤكد الكاتب والمفكر الكبير عبد الوهاب المسيري أن الإستراتيجية الغربية تجاه العالم الإسلامي منذ منتصف القرن التاسع عشر تنطلق من الإيمان بضرورة تقسيم العالم العربي والإسلامي إلى دويلات إثنية ودينية مختلفة، حتى يسهل التحكم فيها، بمعنى تقسيم المنطقة إلى “دويلات” تأخذ مسميات ما قبل الإسلام، مثل “دويلة فرعونية في مصر، أشورية بابلية في العراق، آرامية في سورية، حميرية في اليمن) وهكذا، بحيث يتم الاعتزاز بهذه المسميات وليس بالدين الإسلامي.
تطبيق على أرض الواقع
وعلى مدى السنوات الماضية، حاولت أمريكا و”إسرائيل” تطبيق هذه الاستراتيجية على المنطقة، فالعدوان على لبنان عام 2006 جاء في هذا السياق، وقبله غزو العراق، ثم استغلال ثورات الربيع العربي لإسقاط الأنظمة غير الموالية لأمريكا و”إسرائيل”، وغرس داعش والقاعدة في جسد الأمة إلى جانب الكيان الصهيوني الخبيث، وصولاً إلى ما تشهده المنطقة من أحداث كبيرة، وفي مقدمتها العدوان الصهيوني الإجرامي على قطاع غزة ولبنان.
ويتمثل الحلم الصهيوني فيما قاله شمعون بيريز: “لقد جرب العرب قيادة مصر للمنطقة مدة نصف قرن، فليجربوا قيادة إسرائيل إذن”.
هذا الحلم يسعى إلى تطبيقه على أرض الواقع المجرم نتنياهو وحكومته المتطرفة، ولهذا يحذر نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم من هذا المخطط الإجرامي، ويؤكد أن لبنان والمنطقة جمعاء أمام خطر شرق أوسط جديد على الطريقة الإسرائيلية الأميركية”.
ويقول الشيخ قاسم: “لولا أميركا، الشيطان الأكبر، لما استطاعت إسرائيل أن تسيطر هكذا، وهي تريد الشرق الأوسط الجديد”، موضحاً أن “أعمال الإبادة التي تقوم بها إسرائيل وأميركا تعني أنّهما شريكتان في إنجاز شرق أوسط جديد وفق الطريقة الإسرائيلية”.
وإذا كانت المنطقة العربية هي المتضرر الأكبر من هذا المخطط، فإن الجمهورية الإسلامية الإيرانية لن تكون بمنأى عن ذلك، لا سيما، وأن واشنطن والدول الغربية و “إسرائيل” ترى في طهران ومحور المقاومة حائط الصد لهذه المخططات، لذا نقرأ منذ أيام تصريحات متشنجة لمسؤولين صهاينة لتوجيه ضربة على إيران، من أبرزها ما قاله رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت إن هذه هي أعظم فرصة منذ خمسين عاماً لتغيير وجه الشرق الأوسط”، مقترحاً أن تستهدف إسرائيل المنشآت النووية الإيرانية لإصابة النظام الإيراني بالشلل إلى حدٍ يؤدي إلى القضاء عليه”.
على كل، يظل المجاهدون الفلسطينيون في قطاع غزة، والمجاهدون في لبنان، هما العائق الأكبر أمام هذه المخططات، فثباتهم الكبير، وصبرهم الأسطوري، لن يحقق الهدف الذي تسعى إليه أمريكا و”إسرائيل” في استعباد المنطقة، وإلى جانب هؤلاء يقف محور المقاومة في اليمن وسورية والعراق، كالطود الشامخ لإيقاف هذا التهور الصهيوني تجاه المنطقة، والوقائع على الأرض تشير إلى انكسار أمريكا و”إسرائيل” في المواجهة مع دول المحور، وهو مؤشر على أن مخطط “الشرق الأوسط الجديد” سيدفن إلى الأبد، وسيتحقق شرق أوسط جديد، بالطريقة التي تختارها المقاومة ومحورها في المنطقة.