بعد انطلاق ملحمة “طوفان الأقصى” في 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، ضدّ قوات الاحتلال الإسرائيلي في المستوطنات المحيطة بالقطاع، شنّ الاحتلال الإسرائيلي عدواناً لا يزال مستمراً حتّى يومنا هذا. ومع تصاعد العدوان الإسرائيلي على المدنيين في قطاع غزّة، أعلن اليمن بشكلٍ رسمي أنّه جزءٌ من هذا الطوفان في 31 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي. لذلك، بدأ بشنّ عملياته باستخدام الصواريخ الباليستية والمجنحة والطائرات المسيّرة على نقاطٍ مُحددة للاحتلال الإسرائيلي في فلسطين المحتلة، بهدف وقف العدوان على غزّة ورفع الحصار عنه.
نصرةُ اليمن لقطاع غزّة أخذت منحىً تصاعدياً، فأعلنت القوات اليمنية أنّها ستستهدف السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر، وفي 19 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، احتجزت القوّات اليمنية ضمن عمليةٍ نوعية، سفينة “غالاكسي ليدر” الإسرائيلية في البحر الأحمر، وفي 9 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، أعلن اليمن أنّ قوّاته ستستهدف إضافةً إلى السفن الإسرائيلية السفن الأجنبية المتجهة إلى الموانئ الإسرائيلية بغضّ النظر عن جنسيتها، وربط اليمن هذه التهديدات والاستهدافات بإيقاف العدوان على قطاع غزّة، وفك الحصار عنه.
ومع أنّ اليمن فرض معادلةً استراتيجية مهمّة في باب المندب والبحر الأحمر وبحر العرب، عبر فرضه “حصاراً بحرياً” على “إسرائيل”، فإن الموقف اليمني طمأن أكثر من مرّة بشأن حريّة الملاحة البحرية وأنّ لا خطر على سفن أيّ دولة باستثناء السفن التابعة للاحتلال الإسرائيلي أو المتوجّهة إلى الموانئ الإسرائيلية، لافتاً (الموقف اليمني) إلى أنّ الولايات المتحدة تُحاول أنّ تنشر دعاية مُغرضة مفادها أنّ من يهدد الملاحة في البحر الأحمر هو القوات اليمنية، وكل ذلك لحماية “إسرائيل” والسفن المتوجّهة إليها، الأمر الذي رفع مستوى القلق الأميركي على مصالحه والمصالح الإسرائيلية.
وعن التحرّكات اليمنية المساندة لغزّة في البحر الأحمر، قال الباحث في الشؤون العسكرية، العميد عبد الغني الزبيدي في تصريحات للميادين نت إنّ الولايات المتحدة الأميركية انزعجت من الاستهدافات اليمنية للسفن الإسرائيلية والسفن المتوجهة إلى كيان الاحتلال إذ كانت تعدّ البحر الأحمر آمناً وأنّه لن يُستخدم ضدّ مصالحها ومصالح “إسرائيل”، لذلك، عندما قامت ثورة 21 كانون الأول/ ديسمبر في العام 2014 في اليمن، انزعج الأميركيون، لأنّ هذه القوّة (أنصار الله) التي حظيت بتأييدٍ ودعمٍ شعبي هي جزءٌ من محورٍ يُعادي الولايات المتحدة الأميركية ويقف ضدّ الاحتلال الإسرائيلي.
وأشار الزبيدي إلى أنّه عندما أعلن اليمن دعم “طوفان الأقصى”، واستخدم حقّه المشروع في نصرةِ غزّة، انزعجت واشنطن أيضاً، وعدّت التصرفات اليمنية تجاوزاً للخطوط الحمر التي رسمتها واشنطن في الفترات الماضية، إذ كانت تعدّ البحران الأحمر والعرب ضمن الموقع الجيوستراتيجي في هيمنتها سواء على دول المنطق أو على الدول الكبرى المنافسة لها.
وشدد الزبيدي على أنّ اليمن انطلق في الدفاع عن أهالي غزّة من حقّه المشروع والمنصوص في القانون الدولي وهو الحق في السيادة على مياه اليمن الإقليمية والدولية، معتبراً أن اليمن سيستخدم كل الوسائل الممكنة من أجل ردع الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي.
واتهم الزبيدي واشنطن بعسكرة البحر الأحمر، الأمر الذي يعرّض التجارة الدولية البحرية للخطر. وعن خيارات صنعاء قال الزبيدي إنّها تسعى إلى أنّ تكون لها السيادة الكاملة على تلك المنطقة (البحر الأحمر).
“حارس الازدهار” لفكّ الحصار عن “إيلات”
سعي “إسرائيل” والولايات المتحدة إلى حماية مصالحهما في البحر الأحمر، دفع الأخيرة، في 18 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، إلى إنشاء تحالف بحري مكوّن من نحو 20 دولة تحت اسم “حارس الازدهار” لمواجهة عمليات القوّات اليمنية، تحت مظلّة القوات البحرية المشتركة وقيادة “فرقة العمل 153” التابعة لها، لضمان المرور الآمن للسفن الإسرائيلية والمتجهة إلى الموانئ الإسرائيلية عبر البحر الأحمر وكل ذلك لفكّ الحصار عن ميناء “إيلات” الإسرائيلي.
“حارس الازدهار” الذي أعلن عنه وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن ضمّ بريطانيا وكندا وفرنسا وإيطاليا والنرويج وهولندا وسيشيل والبحرين، وغيرها من الدول. إنّ الأمر المثير للاهتمام هو أنّ الدول العربية -وعلى رأسها السعودية والإمارات اللتان خاضتا عدواناً ضد اليمن- لم تنضما إلى تحالف “حارس الازدهار”، ووحدها البحرين التي تحتضن مقرّ الأسطول الخامس الأميركي انضمّت إلى التحالف البحري الجديد من بين بقية الدول العربية، على الرغم من أنّ دورها يقتصر فقط على الجانب اللوجيستي.
وعلى الرغم من أنّ بريطانيا واليونان ودول أخرى قد وافقت على العملية الأميركية علناً، فإن العديد من الدول التي ورد ذكرها في الإعلان الأميركي، (ذكر 12 اسماً من أصل 20 دولة فقط)، سارعت إلى القول إنّها “ليست مُساهمة بشكلٍ مباشر”.
وبدل أن تسعى واشنطن لوقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة، حشدت أكبر عدد من الدول لحماية “إسرائيل” وتجارتها في البحرين الأحمر والعرب، وهذا ما جعل دولاً عربية مثل مصر تحجم عن المشاركة في تحالف هدفه الحقيقي حشد الدعم العسكري لـ”إسرائيل” في عدوانها على غزّة ولو بصورةٍ غير مباشرة، في محاولةٍ لكسر العزلة الدولية التي تُعاني منها “تل أبيب” بسبب جرائم الحرب التي ترتكبها في غزّة. وفي هذا الصدد، تقول صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية إنّه في ظل الدعم الأميركي للحرب الإسرائيلية على غزة لا يبدو أنّ أيّ دولة في المنطقة ترغب في الارتباط بالولايات المتحدة في مغامرة عسكرية.
تحالف “حارس الازدهار” الذي ادعى أنّه يسعى إلى حماية الملاحة البحرية التي لم تستهدف أساساً من القوات اليمنية هدف في الواقع إلى حماية المصالح الإسرائيلية وهذا الأمر يعود لسببين أساسيين: الأول أنّ أكثر من 95% من تجارة “إسرائيل” تتم عبر البحر، أما الثاني فإنّ إغلاق باب المندب أمام السفن المتوجهة إلى “إسرائيل” يُساهم في عزل الاحتلال عن جميع دول الشرق. وبناءً عليه، فإنّ ما تقوم به واشنطن يهدف بشكلٍ أساسي إلى محاولة إنقاذ “إسرائيل” من ورطتها التجارية والاقتصادية فقط نتيجة الحصار اليمني عليها، من خلال محاولة ربط الخطر على “إسرائيل” بالخطر على التجارة العالمية.
ما هو هدف واشنطن من عسكرة البحر الأحمر؟
بعد تشكيل تحالف “حارس الازدهار” في البحر الأحمر، صعّدت الولايات المتحدة الأميركية من اعتداءاتها، فيوم الأحد، شهد البحر الأحمر هجوماً أميركياً على زوارق القوات اليمنية في البحر الأحمر التي كانت تقوم بدورها في حماية الملاحة البحرية وفي نصرة غزة،ما أدّى إلى إغراق 3 زوارق يمنية وارتقاء شهداء.
الباحث في الشؤون العسكرية، محمد منصور قال للميادين نت إنّه لا يمكن فصل تحركات البحرية الأميركية الأخيرة في نطاق مضيق باب المندب والبحر الأحمر، عن التطورات التي يشهدها قطاع غزّة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، لذا من حيث الشكل يُمكن القول إنّ هذه التحركات كانت بمنزلة “تأمين للخاصرة الإسرائيلية البحرية الضعيفة في إيلات”، وكذلك دعماً للدفاعات الجوية الخاصة بالاحتلال الإسرائيلي، والتي تُركّز كل جهودها على التصدي لصواريخ المقاومة الفلسطينية واللبنانية على جبهتي الحدود مع لبنان وقطاع غزّة.
ومن حيث مضمون التحركات الأميركية في البحر الأحمر، لفت منصور إلى أنّها لا ترتبط فقط بالوضع في قطاع غزّة، بل ترتبط أيضاً بنظرة واشنطن الاستراتيجية لمضيق باب المندب، وأنشطة اليمن في محيطه وحوله منذ العام 2018، إذ يبدو أنّ الإدارة الأميركية تريد استغلال الظرف الحالي، لتأسيس “منظومة قانونية وميدانية وعسكرية” خاصة بمضيق باب المندب، تحت ذريعة وجود تهديدات جدّية على الملاحة التجارية الداخلة والخارجة من البحر الأحمر، وهي منظومة تنضوي في داخلها على تهديدات عدّة تتعلق بأمن وسيادة الدول المشاطئة للبحر الأحمر.
تحرّكات واشطن وتأثيرها على مصر
عمّقت التوترات الحاصلة في البحر الأحمر والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة التحديات التي تواجه الاقتصاد المصري، إذ تصعّد الولايات المتحدة الأميركية هجماتها على القوات اليمنية، وتؤثّر عسكرة الولايات المتحدة للبحر الأحمر في ممر يسمح لتجارة النفط والبضائع بين الشرق والغرب، بالعبور من قناة السويس توفيراً للوقت والنفقات بدلاً من الدوران حول القارة الأفريقية. وتسببت الهجمات في دفع بعض شركات الشحن إلى تغيير مسار سفنها لتجنّب المنطقة.
ويعد الاقتصاد المصري، التحدي الأبرز في بلدٍ يُواجه واحدةً من أسوأ الأزمات الاقتصادية في تاريخه بعدما سجّل معدّل التضخم مستوى قياسياً مدفوعاً بتراجع قيمة العملة المحلية ونقص العملة الأجنبية في ظلّ استيراد القسم الأكبر من الغذاء، فضلاً عن تزايد حجم الدين الخارجي، وفق وكالة “فرانس برس”.
وعن ما يمكن أن تأخذه القاهرة من مواقف في ظل التحرّكات العسكرية الأميركية، أشار الباحث في الشؤون العسكرية، محمد منصور للميادين نت إلى أنّ مصر التي تحتفظ بوجود بحري شمال مضيق باب المندب، قوامه فرقاطة من الفئة “أوليفر هازارد”، تشارك في القوة البحرية المشتركة “153”، التي تم تدشينها في نيسان/ أبريل 2022، لكنها تبدو أنّها “تركّز في هذه المرحلة بشكلٍ أكبر على منع انزلاق الأوضاع في نطاق مضيق باب المندب، وفي نطاق قطاع غزّة، إلى مزيد من التدهور، ولا سيما أنّها تبقى من أكثر المتضررين من استمرار الأوضاع الحالية”.
ولفت منصور إلى أنّ “الرؤية المصرية تتمحور حول أنّ مفتاح إنهاء التوتر في نطاق مضيق باب المندب، يكمن في إيقاف العمليات الإسرائيلية في قطاع غزّة بشكلٍ كامل، وزيادة كم ونوع المساعدات الإنسانية والغذائية التي يتم إدخالها إلى القطاع، وبالتالي كانت المبادرة المصرية المطروحة في وقتٍ سابق لوقف إطلاق النار في قطاع غزّة، وكذا الهدنة الإنسانية المؤقتة التي دامت لمدّة أسبوع، كانت جميعها في إطار المساعي المصرية لإيقاف حالة التدهور الحالية، التي تزحف ببطء في اتجاه الحدود اللبنانية والسورية واليمنية، ما يؤثر بشكلٍ مباشر في الأمن القومي المصري، وعلى أحد الروافد الاقتصادية المصرية الأساسية، وهي قناة السويس.
وأكّد منصور أنّه على المستوى الميداني، يبدو أنّ القاهرة ستكتفي بمشاركتها الفعلية في القوّة البحرية “153”، من دون أيّ انخراطٍ في العملية العسكرية الأميركية الجديدة، لاعتباراتٍ عدّة أهمها أنّ هذه العملية تنطوي على احتمالات تصعيدية كبيرة، ناهيك بعدم اتضاح استراتيجية التحرّك الميداني الأميركي الخاصّة بهذه العملية حتى الآن.