مرة أخرى، يتم تكرار نظرية أكتوبر 1973، لكن هذه المرة في الضفة الغربية مع الفلسطينيين، مفاجأة أكتوبر 1973 كانت نتيجة اعتماد التصاق الجيش بالمستوى السياسي والتفكير بمنطقه، وهو الشعور الزائد بالقوة الذي اعتمد على انتصار 1967.
شهر أكتوبر لم يُذكر في الوعي الإسرائيلي في الجانب الجيد، خصوصًا في وعي أولئك الذين خبروا أجهزة الاستخبارات، وما سُمي “فشل تقدير يوم الغفران”. خطأ 1973 كان خطأ مضاعفًا، أولًا: العجز عن فهم مجموعة الظواهر والعلامات من التدريبات المصرية والمعلومات الواردة من هناك على الجانبيْن السوري والمصري. ثانيًا: التصاق المستوى الاستخباراتي بالمستوى السياسي، وعدم مقدرة المستوى الأمني على بناء شخصيته الفكرية المستقلة؛ هذا الالتصاق جعل المستوى الأمني غير قادر على تفسير الظواهر والعلامات التي تصله، وفسّرها كلها من خلال نظرية السياسيين التي ترى في العرب عاجزون عن مواجهة إسرائيل.
لقد كانت النتيجة معروفة، لكن هناك شك في إن كانوا قد تعلموا من أخطائهم واستخلصوا العبر واستطاعوا أن يقدموا دراسة نقدية للواقع.
الانطباع السائد هو أن التصعيد السائد في الضفة الغربية والقدس في أكتوبر 2022 ليس ظاهرة جديدة؛ بل هو واقع مستمر منذ ربيع 2021 (عملية “حارس الأسوار”) أو قبل ذلك. الواقع الذي يطل علينا هو تزايد “الإرهاب” في القدس وفوضى في مناطق السلطة، وأيضًا مظاهر عنف نابعة من المواطنين العرب في أراضي الـ 48.
المشترك بين كل المظاهر هو زعزعة الاتجاهات الفلسطينية التي سادت خلال الـ 20 عامًا الماضية، وفي الضفة الغربية تتجه الأمور لتصبح أكثر عنفًا في الضواحي والأرياف من الناحية الجغرافية (جنين ونابلس نموذجًا) ومن الناحية الاجتماعية (المسلحين، الفوضويين، نشطاء المعارضة الإسلاميين والشباب النشطاء)، كلّ هذا في مواجهة المنظومة الاقتصادية والسياسية السائدة منذ 20 عامًا، والمعتمدة على التحالف والتفاهمات غير المكتوبة بين القيادات في تل أبيب ورام الله، فالمواجهات الحالية تفتت وتفكك السلطة الفلسطينية التي تصبح يومًا بعد يوم غير جديرة من وجهة النظر الإسرائيلية في كل ما يتعلق بتوفير الأمن واستعادة النظام.
لكن، وكما سبق أكتوبر 1973 بشهور، حيث نظرت إسرائيل إلى التدريبات المصرية والمعلومات الواردة من هناك من خلال مفاهيم قديمة ونظريات غير صالحة؛ هكذا في أكتوبر 2022 تنظر إسرائيل إلى الواقع والظواهر كضربة خفيفة في الجناح ويتم تفسيرها كموجة تصعيد محلية.
وزير الأمن الداخلي عومر بارليف اعتبر أن هذه ليست انتفاضة، وفي تقديري فإن النفي وحده يصف الواقع، وفي المقابل يواصل وزير الجيش غانتس تعلقه وتمسكه بمنظومة نجحت خلال العقود الماضية – مثل أبو مازن والسلطة الفلسطينية – مُستنزفة إلى أقصى حد.
إسرائيل فضلت السير بعيون مغمضة إلى بوابة المفاجأة عام 2022 نحو نقطة تناثر قطرات المطر في الوادي الفلسطيني، وستتحول في كل لحظة إلى فيضان، وعندها لن يكون بيد إسرائيل الأدوات المناسبة لمواجهة الواقع الجديد الذي يُفرض عليها.
ملاحظة: الآراء والألفاظ الواردة في المقال تعبّر عن صاحبها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي مركز أطلس للدراسات والبحوث.