وصف جنود إسرائيليون في غزة ما حدث خلال شهور الحرب بأنه حالة من الفوضى وانهيار للمعايير والقيود القانونية تجاه استهداف المدنيين وفقاً لأهواء الضباط الأفراد.
ففي شهادات أدلى بها جنود في فيلم وثائقي تلفزيوني بث مساء أمس على قناة ITV البريطانية، قال دانييل، قائد وحدة الدبابات في قوات الجيش الإسرائيلي: “إذا كنت تريد إطلاق النار دون قيود، يمكنك ذلك”.
وطلب بعض الجنود الذين تحدثوا للبرنامج عدم الكشف عن هويتهم، بينما تحدث آخرون علناً.
وأشاروا جميعاً إلى اختفاء قواعد السلوك الرسمية المتعلقة بالعمل العسكري.
وأكد الجنود الذين وافقوا على الحديث استخدام فكرة الدروع البشرية، على النقيض من النفي الرسمي، وقدموا تفاصيل عن قيامهم بفتح النار دون مبرر على الشبان الذين كانوا يتسابقون للوصول إلى مساعدات الغذاء في نقاط التوزيع العسكرية التي أقامتها مؤسسة غزة الإنسانية المدعومة من الولايات المتحدة.
ويقول الكابتن يوتام فيلك، ضابط سلاح المدرعات، في إشارة إلى المبادئ التوجيهية الرسمية لتدريب الجيش الإسرائيلي التي تنص على أن الجندي لا يمكنه إطلاق النار إلا إذا كان الهدف لديه الوسيلة، وأظهر النية، ولديه القدرة على التسبب في الأذى: “في التدريب الأساسي للجيش، كنا جميعاً نردد تلك الشعارات”.
ويقول فيلك: “لا وجود لمفهوم “الوسائل، النية، والقدرة” في غزة ولم يذكر أي جندي هذه المصطلحات قط”.
وقال: الأمر ببساطة: اشتباه بالسير في مكان محظور كافٍ لاستهدافه.
ويقول جندي آخر، عُرِّف في البرنامج باسم إيلي فقط: “الحياة والموت لا تُحدَّد بالإجراءات أو قواعد إطلاق النار بل ضمير القائد الميداني هو الذي يُقرِّر”.
وقال: في مثل هذه الظروف، يصبح تحديد من هو العدو عشوائياً، كما يقول إيلي في الفيلم الوثائقي.
ويضيف: “إذا كانوا يسيرون بسرعة كبيرة، فهم مشبوهون وإذا كانوا يسيرون ببطء شديد، فهم مشبوهون على أنهم قد يخططون لشيء ما؛ فإذا كان ثلاثة رجال يسيرون وتخلف أحدهم، فهذا تشكيل مشاة بنسبة اثنين إلى واحد – تشكيل عسكري”.
ويصف إيلي حادثة أمر فيها ضابط كبير دبابة بهدم مبنى في منطقة مُصنّفة آمنة للمدنيين؛ حيث يقول: “كان رجل يقف على السطح ينشر الغسيل، فظن الضابط أنه مراقِب. لكنه ليس مراقباً، بل ينشر غسيله. يمكنك أن ترى أنه ينشر الغسيل”.
وقال: ليس الأمر كما لو أن هذا الرجل كان يحمل منظاراً أو أسلحة؛ فأقرب قوة عسكرية كانت على بُعد 600 – 700 متر فلم تكن لديه عينا نسر، فكيف يُمكن أن يكون مُراقباً؟ لكن أطلقت الدبابة قذيفة وانهار المبنى جزئياً وكانت النتيجة قتلى وجرحى كثر.
وقال بعض الجنود الذين تمت مقابلتهم في برنامج إنهم تأثروا بلغة السياسيين والزعماء الدينيين الإسرائيليين الذين أشاروا إلى أنه بعد هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أصبح كل فلسطيني هدفاً مشروعاً.
ويقول دانيال، قائد وحدة الدبابات، في الفيلم الوثائقي إن الخطاب الذي يدّعي عدم وجود أبرياء في غزة قد تسرب إلى صفوف الجيش. ويضيف: “تسمع هذا طوال الوقت، فتبدأ بتصديقه”.
ويقدم البرنامج أيضاً أدلة على أن بعض الحاخامات في صفوف الجيش قد روّجوا لهذه الآراء.
وتقول الرائد نيتا كاسبين: “في إحدى المرات، جلس حاخام لواء بجانبي وقضى نصف ساعة يشرح لماذا يجب أن نكون مثلهم تماماً في السابع من أكتوبر. علينا أن ننتقم منهم جميعاً، بمن فيهم المدنيون. علينا ألا نميز، وأن هذه هي الطريقة الوحيدة”.
ويقول الحاخام أبراهام زاربيف، رجل الدين اليهودي المتطرف الذي خدم أكثر من 500 يوم في غزة، في البرنامج: “كل شيء هناك هو عبارة عن بنية تحتية إرهابية كبيرة”.
ولم يكتفِ زربيف بإضفاء الشرعية الدينية على عمليات الهدم الجماعي للأحياء الفلسطينية، بل قاد الجرافات العسكرية بنفسه، ويزعم أنه ينسب إليه الفضل في ابتكار تكتيك تبناه الجيش الإسرائيلي ككل، مشيراً إلى الشراء الجماعي للجرافات المدرعة.
يقول زاربيف في البرنامج: “يستثمر الجيش مئات آلاف الشواكل لتدمير قطاع غزة. لقد غيّرنا سلوك جيش بأكمله”.
يقول دانيال، قائد الدبابة، في الفيلم الوثائقي: “أرسلتَ الدرع البشري إلى تحت الأرض. وبينما كان يسير في النفق، كان يُرسِل لك خريطة شاملة. كان يحمل هاتف آيفون في سترته، وبينما كان يسير، كان يُرسل معلومات نظام تحديد المواقع العالمي (GPS). رأى القادة كيف يعمل النظام. وانتشرت الممارسة كالنار في الهشيم. بعد حوالى أسبوع، أصبحت كل سرية تعمل وفق هذه الخطة.
وتحدث عامل أميركي يدعى سام عن حادثة وقعت في أحد مواقع التوزيع، حيث كان شابان يركضان في زحمة الناس للحصول على المساعدات. يقول: “كان بإمكانك رؤية جنديين يركضان خلفهما فسقطا على ركبهما وأطلقا النار عليهما، ورأيت رأسين يتراجعان إلى الوراء ويسقطان فجأة”.
ويروي حادثة أخرى، حيث دمرت دبابة إسرائيلية قرب أحد مواقع التوزيع “سيارة عادية… كان يجلس بداخلها أربعة أشخاص عاديين”.