حرب شرسة من نوع آخر يشنها الاحتلال الإسرائيلي على الضفة الغربية، بقيادة وزير مالية الاحتلال بتسلئيل سموتريتش.
إنها حرب الاستيطان وقضم الأراضي الفلسطينية لصالح الاحتلال ومستوطنيه، تحت ذرائع أمنية واهية.
ففي خطوة غير مسبوقة في تاريخ الاستيطان بالضفة المحتلة، كشف الإعلام العبري عن خطة شاملة يعمل عليها مجموعة من القادة السياسيين ورؤساء المستوطنات تهدف إلى ضم كامل الضفة وتحويلها إلى جزء لا يتجزأ من كيان الاحتلال.
تأتي هذه الخطة التي أعدها المجلس الإقليمي للمستوطنات “يشع” وأعضاء الكنيست اليمينيون في إطار استغلال ما يقولون إنه “نافذة الفرص” التي توفرها إدارة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، وتشمل إقامة 4 مدن جديدة، وتوسيع سيطرة الاحتلال على مناطق شاسعة، وتحويل المجالس المحلية إلى سلطات إقليمية. وكان ترامب قد قدم خلال فترة رئاسته الماضية خطة “صفقة القرن” التي تدعو إلى تسوية طويلة الأمد تشمل إقامة دولة فلسطينية مع ضم مستوطنات إسرائيلية في الضفة الغربية إلى الكيان الإسرائيلي. رغم ذلك يعتقد قادة المستوطنين أن “صفقة القرن” قد لا تكون كافية لضمان السيطرة الكاملة على الضفة الغربية، لذا فإنهم يسعون لتنفيذ خططهم الخاصة. وتهدف خطة “يشع” إلى تغيير المعادلة بشكل كامل من خلال جعل جميع الأراضي الواقعة بين المستوطنات تحت سيطرة كاملة لإدارة الاحتلال، وتوسيع سلطات هذه المجالس لتشمل ما يسمى بالمنطقة (ج)”.
ومنذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، أقام مستوطنون 14 بؤرة استيطانية جديدة، جنوبي مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية المحتلة.
القناة الـ14 العبرية نقلت عن سموتريتش إعلانه مصادرة نحو 24 ألف دونم من الأراضي الفلسطينية لصالح التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية المحتلة، وتأكيده أنه لن تكون هناك أبدا ما وصفها بدولة “إرهابية عربية” تهدد وجود “إسرائيل”.
وقالت القناة العبرية، إن قرار مصادرة الأراضي الفلسطينية سيسمح بتعزيز التخطيط والبناء في مستوطنات الضفة الغربية بشكل غير مسبوق. وأضافت القناة أن أولى المستوطنات المستفيدة من هذه المصادرة مستوطنة معاليه أدوميم، التي سيتم توسيعها بأكثر من ألفين وستمئة 2600 دونم، ليتم ربطها بمستوطنة كيدار جنوبا على حساب أراضي السكان البدو الفلسطينيين.
ومنذ اتفاق أوسلو تم الإعلان عن إجمالي 50 ألف دونم من أراضي الدولة تابعة للاحتلال، ويشكل الإعلان الجديد نحو نصف مساحة الأراضي المصادرة على مدار كل السنوات الماضية.
وفي 11 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، قال وزير مالية الاحتلال إنه أصدر تعليماته لإدارة الاستيطان والإدارة المدنية لبدء “عمل أساسي مهني وشامل لإعداد البنية التحتية اللازمة لتطبيق السيادة” على الضفة الغربية. وتعهد سموتريتش، بأن يكون “2025 عام السيادة الإسرائيلية” على الضفة الغربية، وفق صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية. ويقيم نحو نصف مليون مستوطن في 146 مستوطنة، و144 بؤرة استيطانية مقامة على أراضي فلسطينية بالضفة الغربية.
وبحسب خبراء في شؤون الاستيطان، فإن مخطط الاحتلال الحالي للضفة في عهد سموتريتش يعتمد بشكل كبيرعلى وضع بنية تحتية محددة كانت “إسرائيل” تؤسس لها على مدى العقود الماضية، إذ أدت شبكة من المستوطنات إلى تجزئة الأراضي الفلسطينية، مما يحول دون قيام دولة فلسطينية متصلة جغرافيا.
وهناك جزء آخر من مخطط الاحتلال يتمثل في توظيف المستوطنين المسلحين لإرهاب الفلسطينيين وتخويفهم وطردهم من أراضيهم، لإنجاح المشروع الاستيطاني.
جدير بالذكر،أن اتفاقية “أوسلو 2” عام 1995، صنفت أراضي الضفة إلى 3 مناطق: “أ” ويفترض أن تخضع لسيطرة فلسطينية كاملة، وتقدر بنحو 21 بالمئة من إجمالي مساحة الضفة، و”ب”، وتخضع لسيطرة أمنية “إسرائيلية” ومدنية وإدارية فلسطينية، وتُقدر بنحو 18 بالمئة من مساحة الضفة، بينما تخضع المنطقة “ج” لسيطرة مدنية وإدارية وأمنية “إسرائيلية”، ويُحظر على الفلسطينيين إجراء أي تغيير أو بناء فيها إلا بتصريح رسمي إسرائيلي. ومنذ عام 1968، شرع الاحتلال في إقامة تجمعات استيطانية في المناطق القليلة الكثافة، وذلك في إطار مخطط عالون. واعتبارا من 1970، ظهرت مستوطنات أُقيمت دون موافقة مباشرة من سلطات الاحتلال، تقف خلفها تنظيمات يهودية متطرفة.
هذا التوسع الاستيطاني لاقى ردود أفعال دولية مناهضة، لكونه يتنافى مع قرارات “الشرعية الدولية” المتعلقة بالمناطق المحتلة عام 1967، ولأنه يعرقل المساعي الدولية لـ “عملية السلام” و”حل الدولتين”. الاتحاد الأوروبي، وفي أكثر من تصريح، ندد بسياسة الاستيطان، ودان شرعنة الاحتلال للبؤر الاستيطانية، محذرا من أن ذلك يفاقم التوتر في المنطقة.
وفي تقرير له، قال الاتحاد الأوروبي إن “إسرائيل” بنت 30 ألفا و680 وحدة استيطانية في الضفة المحتلة منذ قدوم حكومة أقصى اليمين بقيادة بنيامين نتنياهو، مشددا على أنه لن يعترف بالتغييرات في حدود عام 1967 ما لم يتفق الطرفان (الفلسطيني والإسرائيلي) على ذلك”.
هذا، ووافق مجلس الأمن الدولي في 23 ديسمبر/كانون الأول 2016 بأغلبية ساحقة على قرار يطالب “إسرائيل” بوقف الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ويؤكد القرار عدم شرعية إنشاء “إسرائيل” للمستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 بما فيها “القدس الشرقية”، ويعد إنشاء المستوطنات انتهاكا صارخا بموجب القانون الدولي وعقبة كبرى أمام تحقيق حل الدولتين وإحلال السلام العادل.
وتتصاعد حركة الاستيطان في الضفة الغربية بوتيرة عالية ومتسارعة جداً منذ تشكيل الحكومة اليمينية الحالية. وشهدت، الأشهر التي تلت بدء حرب الإبادة على غزة، مصادرات متتالية للأرض، إذ سُجلت أكبر عملية مصادرة للأراضي في الضفة، منذ أكثر من 3 عقود، بحسب هيئة مقاومة الاستيطان. فما الذي ينتظر الضفة الغربية في عام 2025 ؟